بدأت تحركات تحالف عاصفة الحزم في اليمن، لتتجه أنظار وأقلام المراقبين والمحللين لاستنباط السلوك الإيراني تجاه التحالف وأعضائه، في ظل استهداف واضح من قِبل التحالف للطموح الإيراني لخلق أوضاع جيوسياسية، وتوازنات جديدة تكون لإيران فيها الكلمة المسموعة.
قطر من بين دول التحالف التي شاركت بصورة واضحة، والتي ترتبط بعلاقات استراتيجية مع إيران في عدة مجالات، نتيجة للجوار الجغرافي الذي فرض التعاون على البلدين في الأبعاد الاقتصادية والأمنية والعسكرية، ومن هنا يبرز التساؤل حول مدى تأثير مشاركة قطر في تحالف عاصفة الحزم، على علاقتها بإيران؟
(1)
يحكم العلاقات القطرية-الإيرانية نموذج خاص في العلاقات الدولية، فإيران الدولة القوية إقليمياً تسعى لأن تكون الدولة المركزية في منطقة الخليج العربي، أما قطر الدولة الصغيرة بمقاييس الجغرافيا السياسية تسعى ليكون لها نفوذ وتأثير في مجريات الأحداث في المنطقة، إلا أن توجهات البلدين لم تتسبب في تعارض مصالحهما، ليكون نموذج التكامل هو الناظم للعلاقة، وليس الصراع والتنافس، الذي يظهر في علاقة إيران بالدول الإقليمية المركزية مثل السعودية ومصر، ومما يستدعي سلوك نموذج التكامل في العلاقات القطرية-الإيرانية هو عدم التناسب في مقومات القوة الصلبة لكل من البلدين.
وهذا الوضع من عدم التناسب في القوة أعطى الخصوصية للعلاقات؛ بسبب الحاجة المتبادلة لكل بلد للآخر، فإيران الدولة القوية إقليمياً صاحبة التفوق العسكري على دول الجوار تحتاج لقطر ذات الاقتصاد القوي والتأثير الإقليمي والنفوذ الدولي، ولذلك التقت العلاقات عند دائرة مشتركة من المصالح فيما بينهما، فانفردت قطر عن غيرها من دول الخليج بعلاقات وطيدة متميزة مع إيران، ومما ساعد في ذلك أن قطر لا تعاني من المشكلة التي تؤرق البحرين والكويت، وهي ارتفاع نسبة المكون الشيعي في كلا البلدين، مما يجعل هواجس ومخاوف قطر أقل باتجاه تمتين العلاقة مع إيران.
ومن المتعارف عليه أن المصالح الاقتصادية لها الدور الأبرز في صناعة العلاقات بين الدول، هذه المصالح التي كان لها الأثر الأبرز في تطور العلاقات القطرية-الإيرانية، حيث تشترك قطر وإيران في غاز "حقل الشمال" الذي يمثل أكبر حقول الغاز في العالم، الأمر الذي أقنع قطر بأن تتبنى توجها غير صدامي مع إيران حتى في أوقات التوتر بين إيران وجيرانها أو بين إيران والولايات المتحدة، كما أقنع إيران بضرورة الاستفادة من الخبرات القطرية في استثمار الغاز، خصوصاً بعد تخفيف العقوبات الدولية عليها.
(2)
برغم تطور العلاقات القطرية-الإيرانية وتماسكها، إلا أنه ظهرت بعض التناقضات المفصلية بين سياسة كل من البلدين، بسبب اختلاف المصالح والرؤى والتوجهات، في أواخر عام 2010 مع بداية الحراك الشعبي العربي، أو ما يتعارف على تسميته بـ (الربيع العربي) ومن أوضح معالم هذا الاختلاف هو تناقض المواقف تجاه الحراك الشعبي في البحرين وسوريا.
فقطر تعتقد أن ما جرى في البحرين ليس ثورة شعب لنيل الحريات العامة، وإنما هو مشروع سياسي مذهبي مدعوم من إيران لإقامة نظام يتبع لها، أي أن قطر تعتبره تدخل خارجي في شؤون إحدى دول مجلس التعاون الخليجي، بما يجعل الحالة البحرينية مختلفة عن الحالة في بلاد (الربيع العربي)، مما دعا قطر للمشاركة في حفظ الأمن، والسعي لعودة الهدوء من خلال المشاركة العسكرية في قوات درع الجزيرة التي أرسلت للبحرين.
أما بالنسبة لموقف قطر من الثورة السورية ونظام الحكم، فهو مناصرة ثورة الشعب السوري ضد النظام -المدعوم من إيران-، ويرجع ذلك لتخوف قطر ودول الخليج العربي من محاولات الهيمنة الإيرانية، وإقامة هلال شيعي بري، خصوصاً بعد انكشاف دور إيران في البحرين.
وعليه قامت إيران بتوجيه انتقادات لحليفتها قطر، ويظهر ذلك من خلال وزير الدفاع الإيراني حينها الجنرال أحمد وحيدي الذي اعتبر أن: "دول ما يسمى أصدقاء سورية، التي تقودها (السعودية وقطر)، تسعى إلى صداقة إسرائيل بدلاً من قلقها من العمليات الإرهابية وعمليات القتل في سورية"، وصرحت قناة العالم الإيرانية بأن موقفي قطر والسعودية يأتيان في خدمة المخطط الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة؛ لإضعاف دول الممانعة والمقاومة، بما يشكل طوق نجاة للكيان الإسرائيلي المزروع في المنطقة.
غير أن التغييرات السياسية التي حصلت عام 2013 في كلا البلدين، باستلام ولي عهد قطر الشيخ تميم سدة الحكم خلفاً لوالده، وتنصيب حسن روحاني رئيساً لإيران مع إعادة هيكلة جزئية للسياسة الخارجية الإيرانية وخاصة في ملفاتها الشائكة مع الغرب، أدى إلى إصلاح تدريجي للعلاقات بين الدولتين على طريق استعادة عمق العلاقات كما في السابق.
(3)
اتخذت قطر موقفاً مستقلاً عن دول الخليج إزاء البرنامج النووي الإيراني، الذي يرى فيه البعض الخطر الاستراتيجي المهدد للأمن القومي العربي، فدعت للإنهاء السلمي للخلاف، وتدخلت لإجراء مباحثات مباشرة في هذا الصدد بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، مما أدى لتقريب وجهات النظر بين الإيرانيين والأمريكيين، ثم تنبهت إلى أن الحوار الإيراني-الأمريكي من المتوقع أن يتطور ليصل إلى صفقة شاملة تعترف فيها واشنطن بالدور الإيراني في المنطقة، الأمر الذي قد يفرض توازنات جديدة في الإقليم.
فرأت قطر في تغيير سلوك النظام السعودي تجاه قضايا المنطقة، الحل الأنسب للمشاركة في حفظ التوازن، وعدم ترجيح كفة القوة لصالح إيران مما يجعلها في حاجة دائمة للجهود القطرية الإقليمية والدولة.
(4)
من خلال العرض السابق، يمكننا القول إن العلاقات القطرية-الإيرانية لم تتأثر بفعل تناقض التوجهات في حالتي البحرين سوريا، وهذا ما قد ينعكس على الحالة في اليمن، كما أن حاجة إيران للدبلوماسية القطرية مستمرة نظراً للمكانة المؤثرة التي وصلت لها، وقدرتها على التحرك الإقليمي والدولي بحرية مدعومة باقتصادها القوي.
وعليه فمن المتوقع أن لا تتأثر العلاقات القطرية-الإيرانية سلباً؛ بسبب مشاركة قطر في تحالف عاصفة الحزم، وربما تكون المشاركة بوابة لتأكيد أهمية الدبلوماسية القطرية في نزع فتيل الأزمات في المنطقة من خلال دورها في إيجاد حل سلمي توافقي يحفظ لجميع الأطراف مكانتهم ومصالحهم.