هاجم عدد من
الإعلاميين المصريين (الذين يُطلق عليهم "الأذرع الإعلامية" للرئيس المصري بعد الانقلاب عبدالفتاح
السيسي) أداء الإعلام المصري، وعددا من إعلاميي السيسي نفسه، الذين وجهوا انتقادات إليه، في خلال الأيام الماضية، ووصفوهم بأنهم باعوا أنفسهم للشيطان، وأنهم
مأجورون، ويخدمون مخططات رجال الأعمال الذين يعملون في قنواتهم، ويتقاضون منهم رواتبهم الكبيرة.
إعلام "مقرف"
تحت هذا العنوان: كتب محمود الكردوسي، وهو أحد أشد الإعلاميين المصريين تطرفا في الدفاع عن السيسي، بجريدة "الوطن"، الأربعاء، قائلا: "يبدو أن الإعلام أعلن الحرب على الرئيس: يحدث هذا قبل بضعة أسابيع من إتمام سنته الأولى في الحكم.. هل هي حرب «موجهة»، أم جزء من حالة فوضى، وانفلات اجتاحت كل شيء، وكل الناس في مصر؟!".
وأضاف: "الفرق شاسع بين أن تنتقد وتصحح وأنت ثابت على موقفك، وأن «ترقص» كالغازية، تقابل الرئيس، وتقبّل يده في شارع، ثم تسخر منه، وتشتمه في حارة، النقد، حتى لو كان قاسيا، مسئولية، واجب وطني. يكون كذلك حين تناضل بفلوس رجال أعمال.. أنت تعرف أنهم فاسدون، وأنهم جمعوا ثرواتهم من «مص» دماء الذين تناضل، وتشتم الرئيس باسمهم".
وواصل: "يكون كذلك حين تكون أعرف الناس بأن رجال الأعمال الذين تناضل بفلوسهم «الحرام» تخلوا عن الرئيس في معركة بناء الدولة، ويضغطون عليه بكل وسيلة لـ«يقيّفوه» و«يقلوظوه» على مقاسهم. يكون كذلك حين لا تخجل من كونك تتقاضى راتبا سنويا يعادل -على الأقل- عشرة أضعاف راتب الرئيس الذي لا يعجبك، ومن كونك تحارب معارك أولياء نعمتك بالإنابة.. والكارثة إن كنت لا تدري!".
وتابع الكردوسي: "الإعلام الذى نقرأه، ونسمعه، ونشاهده الآن يقتل القتيل، ويمشي في جنازته. يقتل من الناحيتين: الذي يطبّل للرئيس يقتله، والذي يعارض الرئيس يقتله، لأن كليهما «راضع» من نفس الثدي، وأكرر: رجال أعمال فاسدون، فلماذا لا يكون «لبنهم» فاسدا؟!".
واستطرد: "أعمل في مهنة الإعلام منذ أكثر من ثلاثين عاما، وأعرف عن غالبية نجوم المرحلة الراهنة أكثر مما يظهر منهم أمام الكاميرات. فجأة.. صعدوا سلما في قصر مهيب، فخيم، ودخل كل منهم غرفة، و«الجود بالموجود».. ولا تنس أن صاحب القصر واحد: الرئيس نفوذا، أو رجل الأعمال فلوسا، وكلاهما في الغالب".
وتابع: "أعرف أن فيهم من كان يكتب الخبر بأربعة أقلام ملونة!. أعرف من كان يتعثر في الكتابة، ولا يجد موضوعا يكتبه، فيكتب مقالا عن عدم وجود موضوع يكتبه!. أعرف من كان يكتب «لكن» هكذا: «لاكن»، و«منذ» هكذا: «منذو»، ويرفع المنصوب، ويجر المرفوع ويذهب باللغة وراء «مصنع الكراسي»!. وأعرف أيضا موهوبين من يومهم الأول، لكنهم باعوا أنفسهم للشيطان".
واختتم الكردوسي مقاله: "إن كان للرئيس أخطاء فخطأه الأعظم أنه راهن على هؤلاء. وإذا تعثر فالإعلام سيكون أول معول هدم".. الحقيقة أنني أصبحت أخجل من كوني «إعلاميا»، جاتنا نيلة.. ملينا البلد!"
هل هذا إعلام؟
التساؤل طرحه الدكتور وحيد عبدالمجيد بجريدة الأهرام، الأربعاء، قائلا: "كثيرة هي الانتقادات التي تتعرض لها وسائل الإعلام المرئية في مصر، بعد أن بلغ تدهورها مبلغا لا سابق له، سواء الفضائيات الخاصة، أو القنوات الرسمية. فقد وصل تدني أداء كثير من الفضائيات الخاصة إلى الحضيض، الأمر الذى أحبط آمالا كانت معلقة عليها في أن تصبح بديلا عن القنوات الرسمية التي ظلت منذ نشأتها دعائية، وليست إعلامية".
وأضاف: "استأنفت هذه القنوات نهجها الدعائي، ويواصل معظمها تخبطها، وتنفيرها لأعداد متزايدة من المشاهدين، بعد أن تحولت إلى منابر تقدم «الوعظ الوطني» الساذج، وتعمق الانقسام، والكراهية".
واستدرك عبدالمجيد: "ربما لا يكون السؤال الأكثر أهمية اليوم عن مدى التزام الإعلام بالقواعد المهنية، والمواثيق الأخلاقية، بل عن وجود إعلام من أصله، وعلاقة معظم الفضائيات والقنوات الموجودة الآن بالعمل الإعلامي من حيث المبدأ. فالخدمة الخبرية منقوصة، وملونة بلون معين، وضعيفة في محتواها، وتفتقد الأدوات الإعلامية الأساسية إلى حد العجز عن تقديم تغطية معقولة لحدث يمس صميم الإعلام".
وتابع: "لذلك تشتد حسرتنا عندما نتابع ما تبثه محطات تليفزيونية أخرى في العالم, ويزداد إدراكنا للحقيقة المرة، وهي أن ما لدينا لا علاقة له بالإعلام".
الإعلام والمواطنة
تحت هذا العنوان كتب عمار علي حسن بجريدة "الوطن"، الأربعاء، قائلا: "إعلامنا لا يقدم كل ما هو مطلوب منه في سبيل تعزيز مبادئ المواطنة، وشروطها، فهو في أغلب الأحيان منحاز لرؤى السلطة، ومواقفها، وتبريراتها للسلوكيات التي تنال من حقوق المواطنين، وذلك في ظل غياب واضح لسياسة إعلامية متحررة من القيود السياسية، والبيروقراطية، تراعي التحولات التى يشهدها الناس محليا وإقليميا ودوليا، وتؤمّن حرية في التعبير، وتدفق المعلومات، وانسياب الأفكار"، وفق قوله.
السيسي والصحافة والإعلام
من جهته، قال الدكتور عمرو عبد السميع في مقاله بالعنوان السابق، في جريدة الأهرام: "ربما كان ذلك هو المجال الوحيد الذى اشتغل فيه السيسي كثيرا دون أن نرى نتيجة تذكر".
وأشار إلى أن بعض رجال الأعمال - وبالذات مالكي الإعلام والصحافة التجاريين- أظهروا خلال الشهور الماضية عداء للمشروع الوطني الذى يقوده السيسي على أساس من (العدل الاجتماعي)، وهي كلمة لا تتمتع بشعبية تذكر في أوساط رجال الأعمال، شأنها شأن (الاستقلال الوطني)، وفق عبد السميع.
واستطرد: "(الأمن القومي) و(حالة الحرب) يفرضان -الآن وبالذات الآن- أن تعيد الدولة النظر في الطريقة التي تُدار بها المؤسسات الصحفية والاعلامية المملوكة للشعب، وبحيث تصبح تلك المؤسسات إضافة الى رصيد أصول الدولة السياسية"، على حد قوله.
هذه الموجة من نقد الرئيس
تحت هذا العنوان، كتب أنور الهواري بجريدة "المصري اليوم"، الأربعاء، قائلا: "لستُ أحرّمُ على زُملائي ما أُحلُّه لنفسي، من حق كل ذى رأي أن ينتقد الرئيس.
وأضاف: "كان نقدي للسيد الرئيس، وسيبقى مُنطلقا من عدة اعتبارات: رقم واحد: اعترافي بمسؤوليتي عن المشاركة في 30 يونيو، والانطلاق منها.. رقم اثنين: إصراري العنيد على خطأ ترشح السيد وزير الدفاع للرئاسة.. رقم ثلاثة: كُنت أعتبر هذا الموقف من جانبي وقوفا مع الدولة، وإن كان ضد رئيسها، ومع الجيش، وإن كان ضد الرجل القادم من صفوفه، لإحداث توازن مع الأغلبية الإعلامية الكاسحة التي اختارت أن تؤيد الرئيس".
وأضاف: "رقم أربعة: من حق الأغلبية الصحفية والإعلامية التي أعلنت تأييدها لترشح الرئيس، ولسياساته أن تغير رأيها، ولكن عليها أن تعترف بمسؤوليتها الكاملة عن المشاركة في كل قراراته المصيرية: بدءا من خلع البدلة العسكرية، إلى اختيار محلب -الكسيح سياسيا- رئيسا للوزراء، إلى تكتيكاته في حرب الإرهاب، إلى تعثره في تنفيذ خريطة الطريق".
واختتم الهواري مقاله قائلا: "رقم خمسة: سوف أعتبر هذه الموجة العنيفة في نقد الرئيس من مؤيديه نوعا من حرية الإعلام. وتبقى الكُرةُ في ملعبه أن يُعلن على الأمة المصرية بيانا وافيا يُجيبُ فيه عن الأسئلة الحائرة: لماذا هذا التدهور في كل مؤسسات الدولة؟! لماذا التعثر في استكمال خريطة الطريق؟! لماذا المماطلة في البرلمان؟! لماذا الاحتفاظ بمحلب وحكومة محلب؟! ما حجم مشاركتنا في حرب اليمن؟! ماذا أنجزنا في ملف الإرهاب، وماذا لم نُنجز؟!