نشرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية مقابلة أجراها الصحافي روبرت فيسك مع الوزير السابق في حكومة الرئيس محمد
مرسي عمرو
دراج، أشار فيها إلى اعتقاد القيادي في جماعة الإخوان المسلمين أن نظام العسكر في
مصر يمكن استبداله "بحكم إسلامي معتدل". وقال إن "هذه معركة لمصر الشابة ولمستقبلها".
وجاء في المقابلة، التي اطلعت عليها "
عربي21"، مع دراج، أستاذ الهندسة الذي درس في الولايات المتحدة، أن "رسالة عمرو دراج تحمل الكآبة والتفاؤل معا، وربما كانت مفارقة ساخرة من وزير التخطيط السابق الإخواني، ولكنها مفهومة تماما عندما تتذكر أن صديقه القديم، وهو الرئيس محمد مرسي الذي أطيح به، قد حكم عليه قبل فترة بالسجن لمدة 20 عاما بتهمة استخدام العنف ضد المتظاهرين".
وتنقل الصحيفة عن دراج قوله: "كانت حيلة من أجل اختبار درجة رد الفعل الدولي على المحاكمة التي وصفتها منظمة أمنستي بـ (المهزلة)، قبل أن تدفع باتجاه اتهامات خطيرة قد تؤدي إلى حكم الإعدام".
ويقول فيسك إن "أستاذ الهندسة في جامعة القاهرة (56 عاما)، الذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة كان يجلس في مقهى في إسطنبول، حليق الذقن ويرتدي قميصا أزرق زاه، ويتحدث بلغة إنجليزية فصيحة، ولم يكن نموذجا لوزير سابق في حكومة الإخوان المسلمين في مصر".
ويضيف الكاتب أنه "لم يكن وزيرا إلا لمدة شهرين في أيام مرسي الأخيرة. وإسطنبول، أذكر نفسي دائما، أنها تبعد عن القاهرة مسافة 500 ميل، حيث يجب أن يكون دراج، ولكنه إذا كرر الكلام الذي قاله لي ذاته، فسيجر إلى سجن طرة".
ويقول دراج للصحيفة:"لقد توقعت الحكم على مرسي"، مضيفا أن "هناك ثلاثة اتهامات أخرى، لقد حكموا عليه بعشرين عاما لفحص رد فعل المجتمع الدولي؛ لأن الدستور المصري لم يكن ليقدم للمحاكمة في المقام الأول".
ويضيف دراج: "لقد أرادوا كسر التابو، وبناء مبدأ يقتضي بإمكانية محاكمته، وفي حالة لم يرد المجتمع الدولي بشكل مناسب، فسيصدرون عليه أحكاما أقسى. ولو كان عمرك 60 عاما ويحكم عليك بـ 20 عاما، فهذا يعني حكما بالإعدام".
ويعلق فيسك: "دراج ليس ساذجا، فقد فهم مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، عندما وصلت في تموز/ يوليو إلى القاهرة عام 2013، بعد الانقلاب العسكري ضد مرسي".
ويقول دراج: "كنت مسؤولا عن لجنة العلاقات الخارجية في حزب الحرية والعدالة، وكنت لا أزال أتحدث لكل شخص. وجاءت آشتون لمقابلتي أربع مرات".
ويضيف أن آشتون "كانت تحاول إقناعنا أن الأمر قد انتهى، وأن (هذا هو الواقع الآن)، وأن انتخابات جديدة ستعقد بناء على خارطة الطريق. وأخبرت آشتون أن مرسي سيكون ساذجا إن أجرى انتخابات".
ويقول الكاتب: "جاءت آشتون لزيارة دراج للمرة الثانية، كونها الناطق باسم القوى الأوروبية، كما هو واضح، وربما باسم النظام، كما كان يرى، وقالت له إنها شاهدت مرسي".
يقول دراج: "قالت لي آشتون إن شرطها للقدوم إلى مصر هو مشاهدة مرسي، وقالت إنها أرادت أن توصل رسالة لزوجة مرسي، وأنه في حالة جيدة. وقالت إنها فتحت ثلاجته في السجن العسكري للتأكد من أنه يحصل على طعام طازج، بل وذهبت إلى حمامه للتأكد من أن مكان الاستحمام نظيف".
ويضيف دراج في المقابلة، التي ترجمتها "
عربي21": "قالت لنا إنها ليست حرة كي تخبرنا بما جرى من حوار بينها وبين مرسي؛ لأنه ليس في وضع لتصحيح ما ستقوله. ولكن نجل مرسي أخبرنا أنها كانت تحاول إقناعه بتقبل الوضع، وأنه يجب التوقيع على عقد انتخابات جديدة؛ لأنه لا يوجد سوى 50 ألف شخص في الشارع يتظاهرون لدعمه".
لكن مرسي قال لآشتون إنه "لو كان هناك 50 ألف شخص في الشارع يدعمونني لما جئت إذا لمشاهدتي"، بحسب الصحيفة.
ويشير فيسك إلى أن دراج ولد في حي الدقي في القاهرة، وهو متزوج وله ولدان، وبدأ يهتم بالإخوان المسلمين عندما كان يحضر لدرجة الدكتوراة في الهندسة في جامعة بيرديو في الولايات المتحدة، ويقول: "لم أكن مهتما بالدين، ولم تكن زوجتي تشاركني في آرائي، ولكنها لم تعارضها، وما جذبني للإخوان هو تعرضهم للمعاناة والتعذيب، ومع ذلك تمسكوا بمبادئهم، وعندها سألت نفسي من هم هؤلاء الناس؟".
وتبين الصحيفة أن دراج قرأ كتب حسن البنا عن تاريخ الإخوان المسلمين، وبعد انتخابه في نقابة أساتذة جامعة القاهرة وعندما أصبح مسؤولا في لجنتها السياسية، عمل إلى جانب عصام العريان الذي كان أحد قادة الجماعة.
ويقول دراج: "كنا نحضر لتناول الإفطار، كان هذا قبل انتخابات عام 2005 في ظل حكم مبارك عندما داهمت الشرطة الشقة، وربما كان عددهم ألف عنصر شرطة موزعين على الشارع. وفجروا باب الشقة ثم دخلوا وهم يرتدون الأقنعة والسترات الواقية. ودخلت السجن مدة خمسة أشهر، وذلك في سجن طرة، وبعدها المزرعة، في تلك الأيام كان الوضع في السجن مثل الجنة، مقارنة بما يحدث فيهما الآن".
ويواصل قائلا: "بعد ذلك فبركوا اتهامات بأنني كنت أحاول إسقاط الدستور. ولكنني لم أكن متهما بالفعل، وتم الإفراج عني بسبب الضغط الكبير على مبارك من كوندوليزا رايس (التي كانت مسؤولة الأمن القومي في عهد جورج دبليو بوش)".
ويفيد الكاتب بأن دراج كان في موسكو عندما حدث الانقلاب، حيث كان يقوم بدور مسؤول التعاون الدولي في الحكومة، ويقول: "كان بوتين موجودا ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. سألني أحمدي نجاد عن مرسي، وقال لي: (نحن ندعمه، أوصل له لنا خالص تمنياتنا). وبعدها ذهبنا لمشاهدة سباق خيل نظمه بوتين".
وتلفت الصحيفة إلى أن دراج ظل في ظروف سيريالية في منصبه لعدة أيام، حيث وقع أوراق الحكومة في القاهرة. ومن ثم سافر إلى أبو ظبي، حيث كان يدير شركة استشارات. وكان يعرف المارشال
السيسي طبعا، حيث كان وزيرا للدفاع في الحكومة، ويقول عنه: "كان شخصا مغلقا ولم أكن أحبه".
ويوضح دراج أنه يريد العيش في ظل الإسلام الذي يقدم التوجيهات كلها بطريقة معتدلة، ويقول: "أحب الاستماع لأغاني البوب والموسيقى الكلاسيكية".
ويستدرك الكاتب بأنه إن ذكرت أصدقاءه من الإخوان المعتقلين في القاهرة يصبح دراج شخصا متشددا، ويقول: "هذا ليس عن الإخوان المسلمين، هذه معركة شباب مصر ومستقبل البلاد، وسنتخلص من نظام العسكر. عشرات الآلاف منا في السجون، ولكننا نعتقد أن هذا سيكون بلا جدوى".
ويخلص فيسك إلى أنه "في الوقت الحالي، سيظل دراج في المنفى التركي، ويقول دراج إن (الوضع الذي نعيشه اليوم لا يمكن استمراره، اعتاد المصريون على الحذر)، ويضيف: (لن يسمحوا لهذا بالاستمرار للأبد)".