يحيي
الفلسطينيون والمتضامنون هذا العام الذكرى الـ67 لنكبة فلسطين والذي يوافق في الخامس عشر من شهر أيار/ مايو من كل عام، ومع هذه الذكرى الأليمة المتجددة يتوقف المتابعون للمتغيرات الاستراتيجية في المنطقة، لا سيما من الخبراء والباحثين لدى الكيان الصهيوني، عند الحدث الجلل الذي وقع في 15 /5/ 2011 حين لم يتردد ما يقرب من ثلثي
اللاجئين الفلسطينيين في
لبنان بشيبها وشبابها وأطفالها ونسائها ورجالها ومرضاها ومن ذوي الاحتياجات الخاصة، من التوجه إلى منطقة
مارون الراس اللبنانية الحدودية مع فلسطين المحتلة ملبين نداء العودة الرمزية لفلسطين كمقدمة للعودة الحقيقية، لتتحول الجموع إلى أمواج بشرية تتسابق لتلمس ولو حبة تراب من بلادها المحتلة، ولتوجه رسالة الى الكيان الغاصب، والمجتمع الدولي وإلى الإنسانية جمعاء بمطالبتها بحقها المشروع بإنهاء حالة اللجوء وتطبيق حق العودة، وليغتال القناصة من جنود الاحتلال الإسرائيلي، وبدم بارد ستة من شباب المخيمات الواعد (عماد أبو شقرا، محمد أبو شليح، عبد الرحمن صبحا، محمود سالم، خليل محمد أحمد ومحمد صالح)، ليسقطوا شهداء على طريق العودة بالإضافة الى عشرات الجرحى، وليُربك المشروع الصهيوني..!
لكن ما الذي يدفع بهذا الشباب اليافع لهذا الإقدام وهذا التحدي غير المتكافئ مادياً، للتضحية بأنفسهم وهم لا يملكون من الأسلحة سوى إرادة صلبة وذاكرة فلسطينية حية نقلها إليهم الأجداد والآباء، وإيمانهم بأن أرضهم قد احتلت، ولا يحملون بأيديهم سوى الحجارة، وحناجر تصدح بالهتافات والأناشيد الوطنية، ويافطات كرتونية تحمل أسماء مدن وقرى آبائهم وأجدادهم التي أُخرجوا منها عنوة على أيدي العصابات الصهيونية إبان النكبة عام 48، وعبارات تستنكر الاحتلال وتدعو الى لفظ حالة اللجوء والتمسك بحق العودة، وبعض المقتنيات الفلسطينية كأوراق امتلاك الأراضي في فلسطين ومفتاح الدار، والأعلام الفلسطينية.. أمام جنود الإحتلال المدججين بالسلاح الأوتوماتيكي المتطور والمدعوم بالدبابات والمروحيات القتالية..؟!
إذاً هو مسماراً إضافياً وجد لنفسه طريقاً في نعش المشروع الصهيوني، فلم يدخر هذا الكيان جهداً وأموالاً ووقتاً منذ نشأته.. لتثبيت رؤيته بأن هذا الجيل الذي لم يولد في فلسطين ويعيش في المخيمات والتجمعات حياةً إجتماعيةً وإقتصاديةً صعبة وبائسة حيث البطالة والفقر، واكتظاظاً سكانياً مخيفاً وبنىً تحتية مهترئة..، بانه سينغمس في متطلبات الحياة اليومية على حساب نسيان فلسطين وحقه بالعودة إلى قراه ومدنه هناك.. ليتفاجأ في اختبارين رئيسيين الأول حين اندحر الإحتلال الصهيوني عن معظم الأراضي اللبنانية المحتلة قبل 15 عاماً، وتوجه آلاف اللاجئين الفلسطينيين وبشكل عفوي إلى الحدود اللبنانية مع فلسطين لملاقاة أقاربهم وأهليهم الذي جاؤوا من مختلف المدن والقرى الفلسطينية من الداخل الفلسطيني المحتل عام 48، حيث لم يفصل بيهم سوى الأسلاك الشائكة، ليُعيد الإحتلال رسم استراتيجيته بالعمل على المزيد من محاصرة قضية اللاجئين وحقهم بالعودة بتكثيف جهوده السياسية والاعلامية والدبلوماسية والدفع بتوطين اللاجئين في مناطق عمليات "الأونروا" باتجاه إقامة تسويات مع المفاوض الفلسطيني أو طرح الخطط والأفكار التي لا تعطي اللاجىئ حقه في العودة..، وقد باءت جميعها بالفشل.. أما الإختبار الثاني وهو الذي لا يزال يخضع لعملية تمحيص وتدبر من قبل سلطات الإحتلال الإسرائيلي اندفاع هذه الفئة من اللاجئين من الجيل الثالث والرابع لا سيما الشباب في العام 2011، وتقديم ارواحهم فداءً لفلسطين..!
في كل عام يجدد اللاجئون التزامهم بالثوابت وبتقديم الغالي والنفيس في سبيل تحرير ارضهم وعودتهم اليها وكنس الاحتلال الى غير رجعة، وفي كل عام يحيي الفلسطينيون ذكرى النكبة وتكريم شهداء العودة، وسينهمك الدارسون والباحثون في قراءة الحراك الجمعي للاجئين وإحيائهم لذكرى النكبة سواءً من قبل المشروع الصهيوني ومن يسير في هذا الركب أو من قبل الفلسطينيون والمتضامنون مع الحق الفلسطيني، فعودة ثمانية ملايين لاجئ فلسطيني حق مشروع طال الزمان أم قصر، ويبدو بأن طريق الشهادة والتحرير أقصر الطرق، والشباب نموذج لملايين اللاجئين..!