في حمأة رفض الطائفية البغيضة في مجتمعنا والتنديد الوطني الشامل بالتفجيرات الأخيرة التي أرادت جرنا إلى فتنة لا تبقي ولا تذر، يخرج لنا (خريط) من نوع آخر. والخريط في لغة الأجداد هو كل كلام لا أصل ولا مبنى ولا معنى له. ومن ذلك خروج بعض الأصوات التي تعيدنا إلى مربع الليبرالية والليبراليين، وبأنه يجب القضاء على طائفيتهم قبل القضاء على أية طائفية.
أولا الليبراليون أنفسهم، بالمعنى المستقر في أذهان بعض الناس، لا وجود لهم إلا في خيالات هذا البعض الذي يريد أن يعبر الجميع دون استثناء، وبغض النظر عن أفكارهم وألوانهم، عبر طريقه هو وحده وليس عبر عدد من الطرق، حتى لو كانت هذه الطرق المتعددة ستؤدي إلى نقطة التقاء واحدة، هي نقطة المواطنة التي يفترض أن يتفق عليها الجميع، وإن اختلفوا في مشاربهم ومآلاتهم.
وثانيا، ضمن سياق نقاشات الطائفية، لا أذكر أنني قرأت لواحد ممن يحسبون، تخرصا واعتقادا، على تيار الليبرالية أنه مارس طائفية بأي شكل وبأي نص، لا في كتاب ولا مقالة ولا تغريدة. بل على العكس هم دعاة التقاء ووحدة وطنية ومطالبات لا تنقطع بضرورة بناء أركان الدولة الوطنية، التي تجمع أبناءها على شيئين أساسيين هما: حب الوطن وبنائه على قاعدة المساواة والعدل بين الجميع.
وهي دعوة تتماهى تماما مع مضمون خطابات الملك التي أكد في أولها "بأن كل مواطن في بلادنا وكل جزء من أجزاء وطننا الغالي هو محل اهتمامي ورعايتي، فلا فرق بين مواطن وآخر، ولا بين منطقة وأخرى، وأتطلع إلى إسهام الجميع في خدمة الوطن" .
وهذا هو مدار الصدق والحكمة الوطنية البالغة، أن يسهم الجميع في خدمة وطنهم ويبتعدوا عن مظان الشبهات والمشاحنات والتصنيفات، التي لا نتيجة لها سوى خسارة الوطن ومقومات أمنه واستقراره وبنائه. وهنا، ضمن معادلة الوطن للجميع وبنائه من الجميع، يكمن التحدي ويظهر المواطن الصالح من الطالح. المواطن الذي يبني والمواطن الذي يهدم.
لذلك فإن ما نحن بإزائه باعتباره استحقاقا مجتمعيا سعوديا كبيرا ومهما، هو أن نقلع عن تصنيفاتنا وغلوائنا في الفرز بين التيارات والتفتيش في نصوص وقلوب أصحابها، ولتكن قاعدة انطلاقنا إلى وطن أرحب وأوسع أفقا هي قاعدة أن الولاء للوطن والبراء من أعدائه.