نشرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية تقريرا للكاتب روبرت فيسك، حول
مذابح تنظيم الدولة في
تدمر، بحسب روايات الناجين من تلك المذابح.
ويقول الكاتب في تقريره، الذي اطلعت عليه "
عربي21"، بينما كان مقاتلو تنظيم الدولة بأقنعتهم السوداء يحتلون تدمر، كان نصف عمال حقل حيان للنفط ومجموعهم 50 عاملا يعملون في الفترة الليلية، وكانوا محظوظين لأن زملاءهم، الذين يعملون في فترة النهار كانوا نائمين في بيوتهم، بالقرب من المدينة الرومانية التاريخية تدمر، عندما دخلها مقاتلو التنظيم، وذبحوا 25 منهم، وكانوا من بين 400 مدني قتلهم التنظيم بينهم نساء وأطفال.
وينقل التقرير عن مهندس البترول أحمد، وهو الاسم الذي اختاره ليحمي عائلته في تدمر، قوله إنه كان بالصدفة يحضر دورة في جامعة دمشق في اليوم الذي سقطت فيه تدمر، ويضيف: "اتصلت بأهلي حيث كان الاتصال ممكنا، فقالوا لي إن تنظيم الدولة يمنع الناس من الخروح من بيوتهم، وبعدها خرج أخي إلى الشارع، وأخذ بعض الصور للجثث في الشارع، وكانت كلها لرجال مقطوعي الرؤوس. واستطاع أن يرسل لي الصور من الرقة عبر الإنترنت، وهي وسيلة الاتصال الوحيدة التي لا تزال تعمل هناك".
وتشير الصحيفة إلى أن بعض الصور لا يمكن نشرها، حيث تظهر الرؤوس على مسافة أقدام من بقية الجسم، والدم يسيل في خطوط على شارع من شوارع المدينة. وفي إحدى الصور هناك جسد ملقى في أحد الشوارع، بينما يمر رجلان راكبين على دراجة هوائية، لافتة إلى أن القتل تم مباشرة بعد دخول مقاتلي التنظيم؛ لأن صور القتلى تظهر أبواب البقالات وعليها علم الحكومة السورية.
ويقول أحمد للصحيفة: "أجبر تنظيم الدولة الناس على ترك الجثث في الشوراع لمدة ثلاثة أيام، ولم يسمح لهم بأخذها أو دفنها دون إذن، وكانت الجثث في كل مكان في المدينة، وقالت عائلتي إن اثنين من مقاتلي التنظيم جاءا إلى بيتنا، وكانا أجنبيين، أحدهما يبدو أنه أفغاني والآخر مغربي أو تونسي؛ لأن لهجتهما كانت غريبة، ثم غادرا. وقتل مقاتلو تنظيم الدولة ثلاث ممرضات، إحداهن في بيتها، والأخرى في بيت عمها، والثالثة في الشارع، وربما يكون قد قتلهن لأنهن كن يساعدن الجيش كونهن ممرضات. البعض قال إن رؤوسهن قطعت، ولكن أخي أخبرني أنه قد تم إطلاق الرصاص على رؤوسهن".
ويبين فيسك أن كثيرين قد فقدوا حياتهم أثناء محاولتهم الهرب من تدمر، حيث قادوا سياراتهم فوق الألغام التي زرعها مقاتلو التنظيم، أحدهم كان جنرالا متقاعدا وبرفقته زوجته الصيدلانية وابنهما (12 عاما)، حيث لمس عجل سيارته المتفجرات، وتحدثت تقارير بعد ذلك عن عمليات إعدام في المدرج الروماني في تدمر.
ويورد التقرير أن مدير حقل حيان للغاز والنفط أسد سليمان، يهز رأسه غير مصدق ما حصل للعمال غير المداومين، ويعتقد أن بعضهم سجن في حقل الغاز، الذي سيطر عليه التنظيم، وأن الآخرين أخذوا من بيوتهم وقتلوا؛ لأنهم كانوا موظفي الحكومة. ويقول إنه ولأشهر طويلة قبل سقوط تدمر استقبل مكالمات هاتفية فيها تهديد من المقاتلين، وكانت إحدى تلك المكالمات عندما كان المقاتلون يحاصرون مصنع غاز قريبا.
وأضاف سليمان للصحيفة: "اتصلوا بي على هاتفي في مكتبي هنا، وقالوا: (نحن قادمون لك)، وقلت لهم: (سأكون في انتظاركم)، وقام الجيش بإبعادهم، كما أن زملائي الموظفين وصلتهم مثل هذه المكالمات، وكانوا خائفين جدا. وحمى الجيش ثلاثة من حقولنا وطردوا المقاتلين. ومنذ احتلال تدمر استمرت مكالمات التهديد، مع أن تنظيم الدولة قطع الاتصالات كلها من الهواتف الأرضية أو النقالة في المدينة التي احتلوها حديثا".
وتروي الصحيفة قصة مهندس شاب آخر من حيان، كان في تدمر عندما وصل تنظيم الدولة، وكان خائفا جدا عندما تحدث للصحيفة، إلى درجة أنه رفض أن يعطي نفسه اسما حتى لو كان وهميا، وقال: "عدت إلى تدمر قبل يومين من سقوطها، وكان كل شيء يبدو على ما يرام، وعندما أخبرتني عائلتي بأن التنظيم وصل بقيت في البيت، وكذلك فعلت أمي وأخي وأخواتي، ولم نخرج من البيت، فالكل كان يعرف أنه عندما يصل هؤلاء الرجال لن تكون الأمور بخير، توقفت الكهرباء لمدة يومين، ثم قام التنظيم بإعادتها، كان لدينا أكل كثير، فنحن عائلة حالتها جيدة، وبقينا هناك لمدة أسبوع، وكان علينا أن نقضي شؤوننا، ولم يفتشوا بيتنا أبدا".
ويرى الكاتب أن هذه القصة دليل على الطبيعة العشوائية لحكم تنظيم الدولة، فبعد الاحتلال بأسبوع خرجت العائلة من البيت، وكانت النساء باللباس الإسلامي كاملا، وقاموا بركوب باص إلى مدينة الرقة القريبة، ومنها إلى دمشق، ويقول الرجل: "نظروا إلى هويتي، ولكن لم يسألوني عن وظيفتي. رحلة الباص كانت عادية، ولم يمنعنا أحد من المغادرة".
ويلفت التقرير إلى أن أحمد ومهندس النفط الشاب هما من السنة، من طائفة مؤيدي تنظيم الدولة ذاتها، ولكن ليست لدى المهندس أي شكوك عن طبيعة محتلي تدمر، فيقول: "عندما يصلون إلى مكان لا تبقى هناك حياة".
وتنوه الصحيفة إلى أن خطوط الغاز والنفط الضرورية لسوريا تمتد من حمص على طول مئة ميل في الصحراء الحارة خارج تدمر. وتأخذ الطريق حوالي ساعتين من الوقت للوصول إلى منطقة تبعد 28 ميلا عن تدمر، وآخر نقطة للجيش السوري تقع على بعد ثمانية أميال من ذلك.
ويذكر فيسك أنه "إلى الغرب تقع قاعدة طياس الجوية، أو (تي فور) على اسم المضخة القديمة للنفط على خط العراق فلسطين، حيث رأيت طائرات الميغ السكنية تطير وتهبط . كما أن هناك مجموعة من أطباق الرادار وتحصينات لحماية القاعدة، ويمكن رؤية الجنود السوريين في تحصيناتهم الترابية على جانبي الشارع المؤدي إلى تدمر يحمون معاقلهم بالمدافع الرشاشة، والمدافع طويلة المدى والصواريخ".
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن دوريات من الجيش تقوم بحراسة الطريق في شاحنات "بيك آب"، ولا يخفون احتياطاتهم، ويشيرون إلى مكان على بعد 30 ميلا عن تدمر، وجدت فيه عبوة ناسفة قبل ساعات قليلة، وبعد ذلك هناك مخلفات سيارات مفخخة قام الجيش السوري بضربها بالصواريخ.
وتورد الصحيفة اعتراف سليمان بأن أباه سماه على اسم الأسد الأب، حافظ الأسد، ويصف كيف قام تنظيم الدولة بتدمير مصنع غاز بالقرب من مصنع حيان العام الماضي، وكيف أعادته طواقمه ليعمل بشكل كامل، باستخدام قطع من ماكينات لا تعمل من منشآت أخرى، وعاد إنتاج منشأته إلى 300 مليون قدم مكعب من الغاز في اليوم لمحطات التوليد، و 6 آلاف برميل من النفط لمصفاة البترول في حمص.
ويستدرك الكاتب بأن الشخص الذي يفهم المخاطر العسكرية هو الجنرال فؤاد، ومثل أي شخص من منطقة تدمر يحب أن يستخدم اسمه الأول فقط، وهو ضابط محترف كان انتصاره الكبير على الثوار عندما قتل ابنه العسكري في معركة حمص، ولا يخفي صدمته من سقوط تدمر، ويعتقد أن الجيش قضى وقتا طويلا يدافع عن تدمر، ولم يتوقع هجوما كاسحا كالذي حصل، وغيره من العسكريين يقولون إن تنظيم الدولة شن هجوما بعرض 50 ميلا كان أكثر من طاقة الجيش.
ويقول الجنرال فؤاد للصحيفة: "لن يستطيعوا التقدم أكثر، لقد قاتلناهم عندما هاجموا ثلاثة حقول العام الماضي، واقتحم جيشنا مقراتهم في جبل الشاعر، ووجدنا وثائق حول منشآتنا الإنتاجية، وكتبا دينية تكفيرية، وملابس نسائية داخلية".
ويقول فيسك: "فسألت وماذا يفعل تنظيم الدولة بالملابس النسائية الداخلية؟ ولكن الجنرال لم يضحك، وقال: (نظن أنهم قد يكونون احتفظوا بنساء يزيديات كان التنظيم قد اختطفهن من العراق، فعندما وصل جنودنا هناك رأينا بعض كبار رجالات التنظيم يفرون ومعهم بعض النساء)".
ويختم فيسك تقريره بالقول: "إن الجنرال فؤاد، كغيره من الضباط والمدنيين الذين قابلتهم في هذه الرحلة الصحراوية، يتساءلون إن كانت أمريكا تريد القضاء على تنظيم الدولة، ألم تتمكن من رؤيتهم يحتشدون للهجوم على تدمر؟، بالتأكيد لم يخبروا السوريين بذلك، ولم يضربوهم أيضا، مع أنه كان لابد من وجود الكثير من الأهداف للطائرات الأمريكية في الأيام التي سبقت الهجوم على تدمر".