لم يكن يتوقع من عرف ذلك الخباز الذي أطعم سكان بلدته عربة من جوع، أنه سيزهد بالطعام ويسكن معدته الفراغ إلا من ماء لا يسمن ولا يغني من جوع، فللمرة الثالثة يخوض الأسير خضر عدنان إضرابه عن الطعام، والذي زاد عن الشهر رفضا للاعتقال الإداري، والذي لا توجه فيه للأسير تهمة محددة.
عدنان ذو اللحية السوداء الكثيفة، والنظارات الطبية التي لا تفارقه، أب لستة أطفال، اعتقله الاحتلال نحو 10 مرات، آخرها في الثامن من تموز/ يوليو 2014، حيث صدر ضده أمر بالاعتقال الإداري لمدة 6 أشهر، تم تجديدها لمرة ثانية في السابع من كانون الثاني/يناير 2015، وأضرب على إثرها لمدة أسبوع بشكل تحذيري، فقامت سلطات الاحتلال بتثبيت الحكم لمدة أربعة أشهر، تم تجديدها للمرة الثالثة في الخامس من مايو/أيار 2015، فأعلن الإضراب المفتوح عن الطعام تحت عنوان "فداك روحي يا أمي"، لإسقاط
الاعتقال الإداري وملف الاعتقال الإداري.
خضر الذي عرفه العالم بعد أن خاض بوقت سابق إضرابا عن الطعام 66 يوما في سابقة من نوعها، تصفه زوجته رندة بأنه "حنون وطيب القلب، خلوق للغاية في تعامله مع الناس وأهل بيته، كما أنه متعاون جدا ويساعد زوجته في أعمال المنزل وخاصة أن لديهم ستة من الأبناء ثلاثة منهم توائم، وأكبرهم طفلة تبلغ من العمر سبعة أعوام".
تقول في حديثها لـصحيفة "
عربي21" إنه كان يحمل جزءا كبيرا من أعباء المنزل فور عودته من العمل، وحريص على البقاء بقرب والديه المسنين، حيث يسكن معهما في نفس المنزل نظرا لحاجتهما للعناية والاهتمام والرعاية، وخاصة أنه الابن الوحيد لهما داخل الوطن.
وتضيف، أن عدنان حريص على صلة رحمه دائما مع خالاته وعمته، فيزورهن بشكل شبه يومي، وعلى نطاق عائلته الخاصة فهو حريص توفير الجو الهادئ لأبنائه كما يحرص على ترفيههم بشكل دائم، ويحضر لهم الهدايا في المناسبات والأعياد وأعياد ميلادهم.
ويضرب عدنان عن الطعام منفردا بعد إضرابه الشهير وخوضه معركة الأمعاء الخاوية نهاية العام 2011، والذي استمر 66 يوما وعرف حينها بأنه الأطول والأول من نوعه ضد الاعتقال الإداري، حيث تبعته إضرابات مشابهة للأسرى، وسبق ذلك في عام 2005 خوضه إضرابا مفتوحا عن الطعام لمدة 12 يوما نتيجة وضعه في عزل سجن "كفار يونا"، ولم يوقف إضرابه إلا بعد أن رضخت إدارة السجن لمطلبه المتمثل بنقله إلى أقسام الأسرى العادية.
خباز نشيط
وحول عمله خارج المنزل، تقول زوجته إنه يستيقظ في الصباح الباكر ويصطحب معه زاده من الطعام، ثم يتجه إلى فرنه في بلدته عرابة (حوالي 12 كيلومتر جنوب غرب مدينة
جنين شمال الضفة الغربية)، ويخبز معجنات الجبنة والزعتر، ثم يحملها ليبيعها في الحسبة المقابلة لمخبزه.
البحث عن لقمة العيش لم تجعل خضر عدنان أسير شهادته الجامعية كما تقول زوجته، فهو مثابر مجتهد حاصل على بكالوريوس الاقتصاد، ويدرس الماجستير.
تفتخر رندة بزوجها الذي يعمل ليل نهار ليوفر قوت يومه بالحلال، وتعاني الأسرة حاليا من ضائقة مالية، "الراتب الذي يصرف للأسير بالكاد يكفي لسداد الاحتياجات الأساسية للمنزل".
وتشدد زوجته على وصفه بالحنون وتقول: "مهما يغيب ويبتعد عنا إلا أن دقيقة واحدة يقضيها في المنزل تعوضنا عن سنين غيابه فهو حنون ورقيق جدا، الجميع ينظر له أنه متعصب بسبب لحيته وهيئته، وخطاباته في المسيرات والفعاليات، لكنه عكس ذلك تماما، فداخل المنزل يلعب مع أطفاله وكأنه طفل مثلهم".
وتقر رندة بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقها بعد اعتقال زوجها "علي أن أحافظ على ما أوصاني به الشيخ من تربية الأبناء تربية صالحة وأنفذ كل طلباتهم، لذلك تركت عملي حتى أتفرغ لكل المسؤوليات الملقاة على عاتقي".
ودائما ما تواجه الزوجة الكثير من أسئلة أبنائها التي تحتار كيف ستجيبهم عنها بالشكل المناسب "أين أبي؟ متى سيعود؟ لماذا هو مضرب عن الطعام؟ هل هو بخير؟".
وبالرغم من مخاوف رندة الكبيرة على صحة زوجها إلا أنها "تؤمن بأن الإضراب خطوة لا بد منها لينال حريته".
وعبرت عن قلقها الشديد من تدهور وضعه الصحي بشكل كبير كما حدث في إضرابه السابق، حيث خسر 30 كيلو غراما من وزنه، وناشدت كافة الجهات المسؤولة وكافة المؤسسات الحقوقية العربية والدولية لوضع حد للانتهاكات التي تمارسها قوات الاحتلال بحق الأسرى الفلسطينيين، كما دعت لوضح حد لسياسة الاعتقال الإداري المخالفة للقوانين والأعراف الدولية.
مقيد القدمين واليدين إلى سرير المستشفى
وفي تصريح صحفي صدر السبت، أكدت عائلة خضر عدنان أن محامين وحقوقيين "إسرائيليين" تمكنوا من زيارته الجمعة في مستشفى صرفند، وأكدوا أنهم تمكنوا من الحديث مع الشيخ خضر وكان حاضر الذهن بشكل كامل، رغم أنه بدا واضحا عليه تدهور حالته الصحية والهبوط في الوزن وضعف في قدرته على النظر، وأنه لا يستطيع الحركة إلا على كرسي متحرك، حيث أكد لهم الشيخ خضر أنه تم إجباره على الخروج بالقوة من زنازين مستشفى سجن الرملة إلى مستشفى صرفند "آساف هروفيه"، الخميس الماضي، مضيفا أنه ما زال يرفض تناول المدعمات أو الخضوع لفحوصات طبية ولا يشرب إلا الماء.
وذكرت زوجة عدنان أن المحامين والحقوقيين "الإسرائيليين" الذين زاروه نقلوا لهم أنه يمكث في مستشفى صرفند مقيد اليدين والرجلين إلى سرير المستشفى، وبرفقته ثلاثة حراس من قوات
مصلحة السجون في الغرفة ذاتها.
ونقلت العائلة عن هؤلاء المحامين قولهم، "إن أطباء إدارة مصلحة السجون الصهيونية صنفوا حالته بأنه دخل مرحلة الخطر الشديد وهذا ما استلزم نقله لرعاية طبية مباشرة ولو كان ذلك بالقوة".
وحذرت العائلة من محاولة الاحتلال إجباره على تناول الغذاء بالقوة، مؤكدة أن ذلك "سوف يشكل خطرا حقيقيا على حياته".
كما طالبت العائلة جميع المؤسسات الحقوقية وخصوصا العاملة في مجال حقوق الإنسان بتكثيف متابعتها لوضع الشيخ خضر، خصوصا بعد وصول الأنباء الواردة عن تردي وضعه الصحي وإخضاعه بالقوة للفحوصات الطبية.