نشر
معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ورقة تحليل سياسات، ناقش فيها "آفاق الإصلاح السياسي بعد
الربيع العربي"، في فترة أسماها "ما بعد الإسلاميين والمستبدين".
وقال الباحثان في المعهد ديفيد شينكر وسارة فوبر، إن مرحلة ما بعد الربيع العربي رافقها خوف من "احتمال بروز نوع جديد من الاستبداد في المنطقة يميل نحو التوجهات الإسلامية"، مشيرة إلى أنهم سيطروا، بالانتخابات أو بالسلاح، على دول الربيع العربي.
وأضافت الورقة أن المرحلة التالية لذلك انعكست على الإسلاميين، إذ إنه "في مصر، تم التحرك ضد حكم جماعة الإخوان المسلمين، التي فازت بالانتخابات، بانقلاب عسكري؛ وفي تونس، تنازل ائتلاف منتخب ديمقراطياً - يقوده الإسلاميون لكنه لا يحظى بشعبية إلى حد كبير - عن السلطة لصالح حكومة ائتلافية أكثر علمانية. وفي أماكن أخرى في المنطقة، يتحدّى أيضاً الفاعلون غير الإسلاميين - سواء أكانوا أفرادا أم منظمات غير حكومية أم أحزاباً سياسية - مفهوم الحكومة المتأثرة بالدين"، موضحة "غير أن تنظيم «داعش» وغيره من الإسلاميين المتطرفين ما زالوا أقوياء في بعض المناطق، في حين ما زال الحكام المستبدون التقليديون - الذين يدّعون أنهم يتمتعون بشرعية دينية بدرجة أو بأخرى - يمسكون بزمام الحكم في مناطق أخرى.
وركز التقرير على أن هناك "عددا قليلا من غير الإسلاميين الذين هم علمانيون، إما بمعنى تجنّب التطرق إلى الدين أو أنهم يؤيدون فصل الدين عن الدولة. فبعض الذين يدعمونهم أو يتعاطفون معهم متدينون على الصعيد الشخصي، والكثير من بينهم يؤيدون الفكرة بأن تلعب القيم الدينية دوراً ما في الحياة العامة"، موضحا أن بينهم من ليس ليبراليا، بل يمكن اعتباره "نخباً تقليدية وقوميين متحمسين، ويساريين، وحتى بعض المؤيدين للملكية الدستورية بدرجات متفاوتة".
وأشار الباحثان في الورقة إلى أن ما يجمع هذه القوى هو "تشديدها البليغ على التعددية والتسامح الديني والحريات الشخصية، ومعارضتها للبرامج السياسية الإسلامية التي أنتجت سياسات متعصبة قائمة على الشريعة والتفرد بالحكم".
وسعت الورقة للنفي أن يكون الوضع العربي حاليا صراعا بين "الأصولية الدينية والاستبداد"، إذ إن الواقع أكثر تعقيدا من ذلك "فبين هذين النقيضين هناك قوى عربية شعبية أصيلة، تدعو إلى تشكيل حكومات تمثل أطيافاً أوسع من المجتمع، وإلى المزيد من الحريات الشخصية. وهذه القوى التي تنتمي إلى المعسكر غير الإسلامي، أساسية لتحديد الطابع المستقبلي للشرق الأوسط"، مشيرة إلى أن مصلحة الولايات المتحدة الدائمة هي "انتصار هذه القوى"، على حد تعبير الباحثين.
واستعرضت الورقة بعض سلبيات هذه التنظيمات، ومنها: "فالكثير من هذه الجماعات سيئ التنظيم، ويعاني من الاقتتال الداخلي بين صفوفه، ويفتقر إلى رسالة متماسكة، وتَعرّض لاستهداف الأنظمة القمعية والقوى الإسلامية على حد سواء. والحق يقال، إن برامج بعض هذه الجماعات - سواء أكانت تنادي بالدولة المهيمنة أو بالاشتراكية، وسواء أكان بعضها من رموز الأنظمة السابقة أو غير ذلك - لا تتناسب مع القيم الأمريكية في جوانب أساسية منها، على الرغم من أن آراءها أقرب بأشواط إلى القيم الأمريكية من آراء المتعصبين دينياً".
وأشارت إلى أن هذه القوى لم تتمكن، باستثناء تونس، من "تحويل فشل الإسلاميين إلى فوز انتخابي دائم لصالحها أو إلى انتصار لسياساتها. فعلى أبسط المستويات، ما زالت الجهات غير الإسلامية تفتقر إلى شبكات الخدمات الاجتماعية الراسخة كتلك التي بناها الإسلاميون، كما تفتقر أيضاً إلى موارد تسمح لها بالتواصل مع عموم الناس، توازي تلك التي يتمتع بها الإسلاميون. ولكن رغم ذلك، فإن ردة الفعل الحالية في المنطقة الموجهة ضد المتطرفين والتمادي السياسي الذي مارسه الإسلاميون، يشكلان فرصة لتلك المجموعات"، بحسب تعبيرها.
واختتم الباحثان ورقتهما، التي تعتبر بداية في سلسلة تركز على هذه القوى "غير الإسلامية"، بدعوة الولايات المتحدة لدعمهم، إذ إن "مصلحة الولايات المتحدة الفضلى في تماسك هؤلاء الفاعلين غير الإسلاميين على الأقل في أماكن أخرى في الشرق الأوسط".