كتب
علي حمادة: في أقل من ثمانٍ وأربعين ساعة قفز إلى الواجهة واقع الموحدين
الدروز السوريين الحساس، فبعد جريمة بلدة قلب لوزة في إدلب التي ارتكبتها مجموعة من "جبهة النصرة" يقودها مسؤول تونسي، أدى اقتراب الثوار في الجبهة الجنوبية من حدود محافظة السويداء إثر سقوط اللواء 52 التابع لجيش النظام، ومحاصرة مطار الثعلة العسكري الواقع داخل المحافظة، وبدء ظهور علامات جدية على انهيار النظام التام في المحافظات الجنوبية...
أدى ذلك كله إلى ارتفاع منسوب التوتر في صفوف الطائفة التي جرى زرع الخوف في صفوفها من الثورة والثوار، تارة على وقع ارتكابات تنظيم "داعش" المطل من خلف الحدود مع البادية، وطوراً عبر ضخ من منتسبين إلى النظام.
وأدى تزامن حادثة إدلب واقتراب الثوار من السويداء إلى تعقيد الأمور، وحصول موجة ارتباك مردها إلى اقتراب ساعة الحقيقة، على قاعدة أن الكل بات مدركا أن النظام يتهاوى، وأن بشار ما عاد جزءاً من حاضر
سوريا ولا مستقبلها، وأن المجتمع الدولي من أوروبا وإلى أمريكا وروسيا بات في صدد البحث الجدي في تفاصيل مرحلة ما بعد خروجه من دمشق.
هذا معطى جديد أمام أبناء جبل العرب، فقد أمضوا الأعوام الأربعة السابقة في المشي بين "حبات المطر"، من خلال المواءمة بين موالاة غير شاملة للنظام، وتعاطف معنوي وإنساني وميداني مع الثورة، لا سيما مع أبناء المحافظة المجاورة لدرعا.
طوال أربع سنوات شكل "الانقسام الخلاق" في السويداء بين من موالاة النظام ومساعدة الثوار الدرعاويين إنسانيا وإغاثياً نوعاً من ضمان يساعد في بقاء قدر من الاستقرار في المحافظة، تقي الدروز شرور النظام من جهة، وانتقام الثوار من جهة.
وفي مراحل عدة من الصراع في سوريا، كنا نشهد تقدماً لخيار على آخر، وبالعكس بحسب التطورات الميدانية. لكن الحقيقة أن الدروز هناك، على انقسامهم، حاولوا طوال تلك المدة أن يخففوا ثقل الصراع على الطائفة، فلا يقدموا لبشار جميع شبانهم القادرين على حمل السلاح، ولا ينساق مؤيدو الثورة بينهم إلى ما يتعدى الدعم الطبي والتمويني، وفي بعض الأحيان استقبال ناشطين من درعا سراً.
حتى الأمس القريب، قيل إن الخيار "الوسطي" هذا جنّب الدروز الكثير من أهوال الصراع. فمقارنة بالعلويين المرتبطين عضوياً بالنظام سقط من أبناء السويداء ألفاً وثلاثمئة قتيل قاتلوا في صفوف النظام، بينما سقط من العلويين في المرحلة عينها ما يقارب ستين ألف قتيل أو أكثر.
ولكن مع خروج النظام من ثلاثة أرباع سوريا، ووصول تنظيم "داعش" إلى وسط البلاد، وتقدم فصائل المعارضة شمالاً وخصوصاً في إدلب، بات أهل السويداء أمام استحقاق الحسم بين خيارات معقدة، لا سيما أن المعادلة التي استمرت أربعة أعوام انتهت على أساس أن بقاء النظام في السويداء بموافقة أهلها مؤداه إلى الصدام المحتوم مع الثورة والجوار. ولذلك أتت ساعة الحقيقة للاختيار بين الحياة الوطنية المشتركة مع الغالبية السورية، وبين النظام الذاهب إلى جهنم.
(صحيفة النهار
اللبنانية)