في قرية "بوياعمر".. تلتمع قبة المزار الذي يحمل الاسم نفسه تحت أشعة الشمس الحارقة.. وتبدو هناك حركة غير اعتيادية، لم يألفها سكان القرية ولا زوار الضريح، حيث شرعت السلطات
المغربية في تحرير "سجناء" المزار، الذي ظل لعقود بمثابة "
سجن مفتوح" يزج بالمرضى النفسيين ومدمني المخدرات فيه، بزعم أن "بركات الولي بوياعمر وقدراته الخارقة، ستطرد الأرواح الشريرة المُقيمة في أجسادهم".
الضريح الواقع بضواحي مدينة قلعة سراغنة (360 كلم جنوبي العاصمة الرباط) والمعروف بأقبيته المظلمة، سطع نجمه في سبعينيات القرن الماضي كمقصد للمرضى النفسيين طالبي الشفاء، وتحول بمرور الوقت إلى "غوانتنامو"، يكبل فيه هؤلاء بالسلاسل والقيود، ويعانون من سوء المعاملة والتعذيب ونقصا حادا في التغذية، تحت إشراف وكلاء خاصين بالمزار، وفق روايات رسمية وغير رسمية متواترة.
عبد الله زريبات (45 عاما) أحد المقيمين بجوار مزار "بوياعمر"، يحكي للأناضول، أنه "خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كان هناك إقبال كثيف على المزار، الذي ينظم حوله موسم سنوي ذائع الصيت، ويأتي أهالي المرضى بهم إلى هذا المكان بحثا عن شفائهم من الجن الذي يسكن أجسادهم، والسحر الذي ألم بهم".
"يدفع الأهالي مبلغا من المال، مقابل خدمات الرعاية التي تقدم للنزلاء، حيث يخرج أغلبهم من المزار بفضل الله وبركات الولي معافين من كل داء خبيث، وقد يستغرق الأمر بعضهم أسبوعا، وآخرون يحتاجون للمكوث شهرا، وتصل مدة بقاء البعض لسنوات"، كما يقول زريبات مدافعا عن المزار الذي عمل فيه لعدة أعوام.
ويقول: "اشتغلت في المزار منذ كان عمري 14 عاما، وما يروج حول إساءة معاملة
المرضى النفسيين فيه، لا يمكن تعميمه على جميع الحالات، فبعض الوكلاء الخاصين يعتنون بهؤلاء ويوفرون لهم الملبس والطعام والراحة، والبعض الآخر يضطهدون المرضى ويكبلونهم بالسلاسل ويسيئون معاملتهم بشكل لا إنساني".
وعلى جنبات المزار وفي أزقة القرية، قامت تجارة كاملة الأركان، ترتبط بزوار هذا المزار الشعبي ومرضاه، حيث يحترف البعض مهنة استقبال المرضى النفسيين وادعاء علاجهم في جنبات الضريح من السحر والجن، باستعمال طرق الشعوذة والتعذيب والحبس لفترات في أقبية المزار المظلمة.
الوضع المزري داخل هذا المزار الشعبي، ظل ولعقود محل انتقاد واسع من قبل الجمعيات والمنظمات الحقوقية والمدنية.. وقبل أسبوع أطلقت وزارة الصحة المغربية، حملة واسعة باسم "كرامة"، لإخلاء المزار من نزلائه، وإلحاقهم بمراكز
العلاج الطبي.
وزير الصحة المغربي لحسين الوردي، وخلال الانطلاقة الرسمية للحملة اعتبر أن "هذه المبادرة ليست إحسانا في حق هؤلاء المرضى، بل واجبا إنسانيا تجاههم"، مشددا على أن السلطات "ستتخذ كافة التدابير من أجل أن يستكمل هؤلاء علاجهم الطبي داخل المراكز الصحية المتخصصة".
وأوضحت وزارة الصحة أنها ستوظف 34 طبيبا و122 ممرضا، وتخصص 40 مليون درهم (4 ملايين و163 ألف دولار) لشراء أدوية الطب النفسي، وحوالي 60 سيارة إسعاف لنقل هؤلاء المرضى، من ضواحي المزار إلى مساكنهم والمدن القاطنين بها.
رغم ذلك لم يخف بعض أهالي المرضى، تخوفهم من تداعيات إخلاء المزار ووضع أبنائهم في مستشفيات طبية متخصصة.
وفي هذا السياق، تقول خديجة (قريبة أحد نزلاء المزار، رفضت الكشف عن لقبها) إن "أغلب المرضى لا يستكملون علاجهم داخل المستشفيات، والأوضاع التي يعيشونها داخل المراكز الطبية ليست أقل سوءا من بوياعمر، كما أن عودة المرضى إلى بيوتهم يمثل أيضا تهديدا وخطرا على حياة وأمن الأسر".
ويصل عدد نزلاء مزار "بويا عمر" بحسب إحصاءات وزارة الصحة المغربية إلى 800 شخص، 70% منهم لا يتلقون أي علاج طبي.
ونقلا عن دراسة أجرتها الوزارة بالتعاون مع هيئات حقوقية، فإن نزلاء هذا المزار الشعبي الذي يلقب محليا بـ"غوانتنامو المغرب"، "مصابون بأمراض واضطرابات نفسية، وأمراض متنقلة، ويعيشون في ظروف إقامة مزرية، وتظهر عليهم علامات التعنيف وسوء المعاملة".
ويرجح أن "بويا عمر" الذي يعتبر أشهر "أولياء" المغرب، قد ولد خلال العقدين الأخيرين من القرن السادس عشر الميلادي، وبقي أميّا إلى أن بلغ الأربعين من عمره.