لا يعرف سيد، العامل
مصري الجنسية، أنه وقع ضحية لعمليات اتجار بالبشر وعبودية بدأت خيوطها من مسقط رأسه في محافظة بني سويف وصولا إلى العاصمة الأردنية عمان التي عمل في مزارعها تحت وطأة ظروف عمل شاقة وقاسية أشبه بـ "العبودية".
بدأت قصة سيد في ربيع عام 2013 عندما تلقفه "سماسرة" مصريون صوروا له "البحر طحينة" كما يقول، اضطر على إثرها لبيع مصاغ زوجته الذهبي وتوفير مبلغ (10 آلاف جنيه) لشراء عقد عمل من السماسرة الذين يعملون بتنسيق مع تجار عقود في الأردن.
حزم سيد أمتعته وتوجه إلى العاصمة عمان في رحلة للبحث عن لقمة الخبز وحياة كريمة لأطفاله، انتهى به المطاف للعمل في مزرعة بضواحي العاصمة عمان، ضمن شروط عمل غير لائقة، حيث وصلت ساعات عمله إلى 15 ساعة أحيانا، بأجر لا يتجاوز الـ "250" دولارا، عانى خلالها من طبيعة السكن غير الملائمة، وإهانات متواصلة وحجز للحرية.
في نهاية المطاف اضطر سيد " لتحرير نفسه" من كفيله الأردني بمبلغ (1000) دولار، ليعمل الآن في أعمال الإنشاءات التي لا تختلف قساوتها عن عمله السابق.
سيد هو شخص من بين نصف مليون عامل مصري مسجلين رسميا لدى الأردن، إلا أن الأعداد تفوق ذلك، بسبب لجوء مصريين إلى العمل في "السوق السوداء" دون تصاريح؛ الأمر الذي رفع من نسبة الانتهاكات التي يتعرضون لها.
وحسب إحصائيات وزارة العمل الأردنية، يعمل المصريون في قطاعات مسموح للعمال المهاجرين العمل فيها، كالإنشاءات والمطاعم، و يستأثر قطاع الزراعة بالنسبة الأكبر منهم، ويعمل فيه 86 ألف عامل، يليه قطاع الخدمات الاجتماعية والشخصية ويعمل فيه 26 ألفا.
انتهاكات بالجملة.. وحالات أشبه بالعبودية
وكشف تقرير للمرصد العمالي في الأردن (مؤسسة مجتمع مدني) عن وجود شبهات بحالات اتجار بالبشر، تمارس على نطاق واسع مع عمال الزراعة المصريين.
وأكد مدير المرصد العمالي أحمد عوض "وجود حالات اتجار بالبشر يمارسها أردنيون ومصريون بحق العمالة المصرية"، مضيفا في حديث لصحيفة "
عربي21"، إن "بعض أرباب العمل من أصحاب المزارع يقومون من خلال وسطاء بالاتصال بالراغبين بالحصول على تصاريح للعمل في الأردن، عارضين عليهم إرسال تصاريح عمل بأسمائهم، مقابل مبالغ مالية تتراوح بين 500 دينار إلى 1000 دينار لكل تصريح عمل، حيث يقوم صاحب العمل بإصدار عقود عمل بناء على ما يملكه من قطع أراضي ليتقاضى المبالغ المالية مقابل كل عقد".
ورأى عوض أن "العمالة المصرية الأكثر تعرضا للانتهاكات بين صفوف العمالة الوافدة في الأردن بسبب عملها بالقطاعات غير المنظمة بناء على نظام المياومة، وتؤدي ظروف العمل جزءا كبيرا منهم لحالات عبودية واتجار بالبشر، كما هو حال العاملين في الزراعة بمنطقة الأغوار الأردنية الذين يعملون بظروف قاسية من حيث ساعات العمل وتدني الرواتب، وحجز الوثائق الرسمية ومنعهم من السفر".
ووثق التقرير الصادر عن المرصد العمالي من خلال مقابلات ميدانية "جملة من الانتهاكات بحق العمالة المصرية التي تعمل في قطاع الزراعة، من أبرزها: ساعات العمل الطويلة والحرمان من العطل الأسبوعية في مخالفة صريحة للمادة 57 من قانون العمل الأردني، التي تشير إلى عدم جواز تشغيل العامل أكثر من ثماني ساعات يوميا، وفي حالات خاصة لا تزيد عن 30 يوما في السنة على أن تحسب كأجر إضافي".
كما يُحرم عمال مصريون من تقاضي أجرهم في نهاية كل شهر، حيث يلجأ أصحاب مزارع إلى تأجيل أجر العامل إلى نهاية الموسم الزراعي في مخالفة للمادة 46 من قانون العمل الأردني التي تنص على ضرورة تسليم العامل أجره، في مدة أقصاها اليوم السابع من الشهر الذي يلي شهر العمل".
و تصنف منظمة العمل الدولية العمل القسري أو العمل الإلزامي بأنه أي "أعمال أو خدمات تفرض عنوة على أي شخص تحت التهديد بالعقاب والتي لم يعرضها الشخص بنفسه طوعاً".
الحكومة الأردنية ..قانون العمل لا يفرق بين العمالة
وأكدت وزارة العمل الأردنية أنها "تقوم بحملات على أصحاب العمل المخالفين لضمان التزامهم بقانون العمل الأردني"، في حين قال أمين عام وزارة العمل الأردنية حمادة أبو نجمة لصحيفة "
عربي21" إن "قانون العمل الأردني يطبق على جميع العاملين في الممكلة مهما كانت جنسيتهم، وفي حال وجود انتهاك بحق العمالة الوافدة يتم محاسبة صاحب العمل، حيث لا فروقات في القانون بالحقوق والواجبات لأصحاب العمل و العاملين".
وقال أبو نجمة إن "العمالة المصرية تشكل ما نسبته 65% من نسبة العمالة الوافدة في الأردن التي يبلغ تعدادها 300 ألف عامل".
إلا أن مدير المرصد العمالي أكد أن "الحكومة الأردنية تقف عاجزة أمام حل مشكلة الاتجار بتصاريح العمل، نتيجة ترهل النظام الإداري في الأردن، حيث يلجأ أصحاب المزارع لاستقدام عمالة مصرية على أراضي في الصحراء، ومن ثم تحريرهم مقابل مبلغ مالي ليجد العامل نفسه يعمل دون تصريح، مما يعرضه لمزيد من الانتهاكات".
ولا تتوقف معاناة العمالة المصرية عند انتهاك حقوقها بالعمل، إذ يمتد ذلك للنظرة المجتمعية "الدونية" للعامل المصري من قبل بعض فئات المجتمع الأردني الذين يطلقون عليهم اسم "المصاروة، من باب الاستخفاف" كما يقول علي الذي يعمل في أعمال حرة يومية لمن يطلبها من الأردنيين.
إذ يسكن علي في بيت بالعاصمة عمان مكون من غرفتين متهالكتين يشاركه فيه ثمانية عمال يتشاطرون أعمال الطبخ والتنظيف، رغم اختلاف المناطق التي أتوا منها لتجمعهم الغربة بحثا عن الحياة الكريمة.
جولات ميدانية لمركز حقوقي تكشف حالات عبودية
وحول ذلك، رصد مركز دعم للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان من خلال مقابلات ميدانية مع 250 عاملا مصريا في قطاع الزراعة ما أسماه " ظروف المعيشة والسكن السيئ للعمال المصريين، وحالات عبودية واضحة تمارس بحق العمالة المصرية".
وقالت مديرة المركز ليندا كلش لصحيفة "
عربي21 " إن العمالة المصرية "تتعرض في قطاع الزراعة لحالات عبودية بشكل صريح، من ناحية إجبارهم على التوقيع سندات مالية في حال وصولهم إلى الأردن لإجبارهم على العمل، ويقطن أغلبهم في ظروف معيشية سيئة من حيث طبيعة السكن غير اللائق، حيث رصد المركز عمالا يسكنون في بيوت بلاستيكية زراعية لا تحتوي مرافق صحية، كما تخلو بيئة العمل من اتخاذ تدابير السلامة العامة؛ إذ رصدت الزيارات الميدانية للمركز وجود إصابات لدى عمال نتيجة رش المواد الكيماوية والميبدات الحشرية، مع العمل لساعات طويلة جدا".
وحول تجارة العقود، كشف المركز أنها "أصبحت وسيلة للربح للكثير من الأردنيين والمصريين الذين رفعوا سعر العقود من 800- 1200 دينار، مما دفع عمال مصريين لبيع مدخراتهم ورهن قطع أراضٍ، بينما قام بعض منهم برهن مصاغ جارته الذهبي"، حسب ما ذكر عمال للمركز الحقوقي.
وأشارت كلش إلى "وجود تمييز في القوانين بحق العمالة المهاجره وتحديدا المصرية"، إذ "استثنى قانون العمل الأردني العمال الوافدين من الحد الأدنى للأجور 190 دينارا لينص على 150 دينارا فقط، بينما أجبرت أنظمة أخرى العمالة المصرية دون غيرها بدفع مبلغ 200 دينار لمغادرة البلد دون موافقة الكفيل، الأمر الذي يعتبرمخالفة للاتفاقيات، ونصت الأنظمة الأردنية على وجوب دفع العامل المصري مبلغ 250 دولارا عند دخوله البلد ليستردهم بعد 45 يوما من إصداره تصريح العمل".
السفارة المصرية في عمان.. غائبة عن المشهد
وانتقد عمال مصريون التقتهم صحيفة عربي 21 دور السفارة المصرية في عمان بمتابعة أوضاع العمال المصريين ووصفتها " بالغائبة" يقول أحد العمال إن أبوب السفارة المصرية، تصد بوجه العمال الذين يتقدمون بشكوى بحق انتهاكات يتعرضون لها.
ويذكر العامل علي قصة زميل له قضى في انهيار مبنى في العاصمة عمان قبل سنوات "بعد أخطاء في البناء من المتعهد، ليتوجهوا إلى السفارة المصرية، التي رفضت الاستماع لهم".
وحاولت صحيفة "
عربي21" على مدار أسبوع كامل التواصل مع السفارة المصرية في عمان عبر الهاتف، لكنها لم تجب على الاتصالات.
إلا أن رئيس الوزراء المصري إبراهيم محلب نفى في زيارته الأخيرة للعاصمة عمان "وجود أي مشاكل تواجه العمالة المصرية في الأردن"، مشيرا إلى أن هذه العمالة "تعيش في جو من الأمن والترحيب، وما يجري حاليا من الحكومة الأردنية هو عملية تنظيم وتسجيل".
وقال رئيس الوزراء الأردني عبد الله النسور خلال لقائه محلب إن "تصويب أوضاع العمالة المصرية لأغراض تنظيمية فقط".
وكانت السلطات الأردنية نفذت حملة لتصويب أوضاع العمالة الوافدة المخالفة، ملوحة بترحيل كل عامل وافد لا يحمل تصريح عمل، ولا يصوب أوضاعه ضمن المهلة التي حددتها.