كتب لاعب كرة السلة الأمريكي الشهير كريم عبد الجبار مقالا نشرته مجلة "تايم" الأمريكية، واتهم فيه الإعلام بممارسة إرهاب من خلال إحجامه عن تصوير الهجوم على كنيسة للسود في مدينة تشارلستون الأسبوع الماضي، ووصمه بالعنصري.
وبدأ عبد الجبار مقالته بالتذكير بتزايد الهجمات التي يقوم بها أشخاص على تجمعات من الناس، وذلك بحسب دراسة لجامعتي هارفارد ونورثويستن، التي غطت فترة ما بين 1982-2011، ففي هذه الفترة وقعت هجمات على تجمعات من الناس بمعدل وقوع هجمة كل 200 يوم، ولكن الدراسة لاحظت أنه منذ عام 2011، أصبحت الهجمات تحصل بمعدل هجمة كل 64 يوما. وفي كل مرة يحدث فيها إطلاق نار ينطلق الساسة والمعلقون مباشرة، ويؤكدون الأهمية الاجتماعية لهذه المأساة.
ويشير المقال إلى أن هؤلاء المعلقين في بعض الأحيان يلحقون ضررا أكثر من حادث إطلاق النار ذاته، وذلك بسبب الأثر طويل الأمد الذي تتركه تعليقاتهم، التي تخلق ضررا واسعا للمجتمع.
ويلفت عبد الجبار إلى الجدل الذي ثار حول تسمية الهجوم على تشارلستون بالإرهابي أم لا. ويقول إن الإرهاب هو أداة سياسية لتحقيق هدف معين. فالإرهابيون في العراق وأفغانستان يهدفون إلى إخراج الأمريكيين من بلادهم، فيما يقوم إرهابيون بالأفعال ذاتها في بلدان أخرى لتحقيق أهداف سياسية.
ويتحدث الكاتب عن منفذ هجوم كنيسة تشارلستون ديلام روف، الذي كان يهدف من وراء هجومه إلى إشعال حرب عنصرية، مشيرا إلى أنه على خلاف الإرهابيين لا يمكنه طرد السود الأمريكيين من بلادهم، ولا يمكنه إشعال حرب عنصرية. وعليه فهو شخص يتميز بالكراهية.
ويرى عبد الجبار أنه لا يجب استخدام الحادث مبررا لمناقشة الإرهاب؛ لأنه سيحرفنا عن المشكلة الحقيقية. ويعتقد أن التهديد الحقيقي لا ينبع من كون الحادث تعبيرا عن زيادة في هجمات اليمين المتطرف، ولكن التهديد يأتي من استخدام الساسة له لتحقيق أغراضهم السياسية، التي تعبر عن نوع خفيف من الإرهاب: الإرهاب الإعلامي.
ويجد الكاتب أن الساسة والمعلقين ممن يحاولون القول إن الهجوم ليس المقصود به السود، بل الدين المسيحي، يعطون مبررا للصحافة الرديئة، ويعبرون عن فساد الساسة، مشيرا إلى تصريحات المرشح الجمهوري ريك سانتروم، التي قال فيها إن الاعتداء قصد الحريات الدينية. فيما عبر عمدة نيويورك السابق رودي جولياني، عن رأيه بالقاتل بقوله: "ربما كان يكره الكنائس المسيحية"، ووصفت قناة "فوكس" الهجوم بأنه هجوم على الدين.
وقدم عبد الجبار سلسلة من التعليقات التي استخدم فيها أصحابها الحادث للتعبير عن كم واسع من المواقف السياسية التي تخدمهم من الهجوم على باراك أوباما وحملته لتقييد استخدام السلاح، واستبعدوا الجانب العرقي فيه.
ويعتقد الكاتب أنه في هذه الحالة، فإن من حاولوا نفي الجانب العنصري في الهجوم هم مثل منكري الهولوكوست، ممن يقولون إنه لم تكن هناك غرف غاز ولا إبادة، وأن العالم يتآمر على النازيين المساكين. ويقول: "كانت العبودية هي هولوكوست السود الأمريكيين، وكان هناك أكثر من عشرة ملايين أسود في الولايات المتحدة، في الفترة ما بين 1525 – 1866، وتم حرمانهم وبشكل منظم من هوياتهم، وحقوق الإنسان وحق الحياة في الكثير من الأحيان".
ويعترف اللاعب الأمريكي بأن هذا تاريخ قديم، ويجب ألا يتحمل الأمريكيون اليوم آثام أجدادهم. مستدركا بأن الحقيقة القاسية التي يحاول منكرو العبودية تجنبها هي أن آثار العبودية التي تم إلغاؤها قبل 150 عاما لا تزال تنتشر في المجتمع.
ويفيد المقال، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن الإحصائيات تظهر أنه رغم الجهود المخلصة التي يبذلها السود والبيض، فإن الأمريكيين السود لا يزالون يكافحون للحصول على مساواة في التعليم والقضاء والمنافع
الاقتصادية. ويقول الكاتب: "طالما اعترفنا بالمشكلة، فإن أمامنا فرصة للوصول إلى حل".
ويتساءل عبد الجبار عن سبب استمرار محاولات إنكار العنصرية؟ ويجيب أن "السبب يكمن في المنافع السياسية، فمن خلال نفي وجود مشكلة عنصرية في البلاد يتمكن الساسة من تحويل الأموال المخصصة لمحاربة العنصرية، وخلق فرص عمل متساوية؛ لخدمة مصالحهم السياسية الخاصة. وشاهدنا هذا من قبل في وزارات التضليل، حيث قامت حكومة الصين بحذف أي ذكر لمذبحة تيانامين في عام 1989. وهذا واضح في تقرير لصحيفة (وول ستريت جورنال)، التي قالت: (نظام وفلسفة العنصرية المؤسيسة التي تحدث عنها الدكتور كينغ لم تعد قائمة اليوم)".
ويذكر الكاتب أن وزير الدفاع السابق دونالد رمسفيلد، يقوم بجولة ينكر فيها ما حدث في العراق، ويحاول إقناع الجميع أنه لم يكن يفكر بنشر الديمقراطية في العراق. وعلى خلاف الساسة، يحاول الأمريكيون كتابة التاريخ بشكل يناسب احتياجاتهم، مبينا أن منكري العنصرية يقومون بعد حادث قتل تشارلستون بكتابة التاريخ الذي يحدث، وهو فعل غادر.
ويرى عبد الجبار أن نتيجة هذا كله هو مواصلة اضطهاد جماعات بعينها. فعندما يرفض من هم في السلطة الدعوات للدفاع عن حقوق السود والمثليين والنساء، ومنحهم الحقوق المتساوية مع بقية المجتمع ذاتها، فهم يرون أن هذه الجماعات لا تستحق الحقوق، وعندما لا تمنح لهم الحقوق المتساوية يسهل اضطهادهم. فعندما يشير المرشح للرئاسة دونالد ترامب إلى المهاجرين المكسيكيين بالمغتصبين ومتعاطي المخدرات، فهو بالضرورة يقوم بتشجيع الأمريكيين لاضطهادهم. ومن يدعون إلى رفع علم الكونفدرالية المرتبط بتاريخ العبودية في الجنوب الأمريكي فهم مثل من يدعو إلى رفع راية الشباب النازي سواستكا فوق معبد يهودي.
ويعتقد الكاتب أن الرأي العام وموقفه هما اللذان يدفعان باتجاه التغير السياسي، فأرقام الجريمة عام 2014 كانت في أدنى مستوياتها منذ 20 عاما، إلا أن معظم الأمريكيين (63% منهم) ظلوا متعلقين بفكرة أنها في تزايد مستمر. وما أدى إلى تعلق الأمريكيين بهذه الفكرة هو استمرار بث أخبار الجريمة على قنوات التلفزة والتصريحات التخويفية التي يصدرها السياسيون أو بعضهم والمعلقون الصحافيون.
ويقول عبد الجبار: "سواء كانت هذه مقصودة أو غير ذلك، فقد أدت إلى زيادة الإقبال على شراء الأسلحة، وإلى تراجع الدعم العام للتحكم بالسلاح وبيعه في الولايات المتحدة. وعليه فقد تم تحقيق الربح والوصول إلى السلطة على ظهر التضليل وليس الحقيقة".
ويضيف الكاتب أن الفكرة ذاتها مرتبطة بالتطرف الإسلامي في الولايات المتحدة. فمنذ 11/ 9 كان هناك ما معدله تسعة مسلمين شاركوا في مؤامرات إرهابية في العام، وكانت حصيلة هذه المؤامرات 50 قتيلا. ولكن خلال الفترة ذاتها أظهرت دراسة أجراها البروفسور أري بيليجر من مركز الجيش لمكافحة الإرهاب، أن عدد الهجمات التي قام بها أشخاص من اليمين المتطرف وصلت إلى 337 هجوما، وكانت حصيلتها 254 قتيلا. ولكن التهديد من اليمين لا يمكن الدولة من تشريع قوانين لمراقبة الفضاء الخاص للمواطنين، وتمويل برامج أكثر مما يقدمه التهديد الإسلامي.
ويشير عبد الجبار إلى ما قاله الشاعر الفرنسي بودلير: "أفضل حيلة لدى الشيطان هي أن يقنعك أنه غير موجود". وفي حالة العنصرية فإن أفضل حيلة لدى المعلقين والسياسيين هي إقناع الرأي العام بأن العنصرية غير موجودة، ولهذا تستمر بالنمو والازدهار بين من لا يلقون بالا لها. ويواصلون في الوقت ذاته بتجاهل السود والسخرية منهم بالرموز ذاتها التي اضطهدهم بها الأسياد السابقون، ويحرمونهم من أي أمل بحياة وتغير ذي معنى.
ويوضح الكاتب أنه رغم هذا كله، فإن الدين والمسيحية يتعرضان للتهديد، ليس من الإرهابيين، ولكن من السياسيين الذين يفشلون بالالتزام واحترام دينهم. وعندما يشاهد الشباب نفاق هؤلاء فإنهم بالتأكيد سيتحولون عن الدين.
ويخلص عبد الجبار إلى أن عائلات ضحايا تشارلستون، وإن غفروا للفاعل ما اقترفه، لكن هذا لا يعني عدم عقابه، وكذلك معاقبة السياسيين الذين استغلوا المأساة لصالحهم.