إن الله سبحانه وتعالى خلق الدنيا بمقادير بين الجماد والحيوان والإنسان، فإن اختفت الجبال مادت الأرض وفقدت اتزانها، وإن اختفت المسطحات المائية اختفت الحياة، كما أيضا خلقها بمقادير مع مخلوقاته؛ فلو لم يبيح لنا التكاثر لانقرضنا، كما أن هناك دورة على مستوى مخلوقاته التي يتغذى عليها الإنسان وتتغذى على الإنسان، وإن حدث غير هذا إختلت الطبيعة.
وانطلاقا إلى السياسة قياسا على الطبيعة، أعتبر السادات أذكى حاكم مصري برأيي برغم ما عليه من مآخذ كثيرة، فهو لم يقض على الإخوان كما فعل ناصر، حيث كان يحارب الفكر بالفكر في معظم جولاته سواء مع المسيحيين أو الإخوان أو الشيوعيين... وهذه ملكة أعطاه الله إياها لأنه عاش حياة مدنية ليست بالقليلة تعلم فيها كيف يخسر ويكسب، وكيف يعلو ويسقط، وكيف ينكسر وينتصر، بينما السيسي الذي قال في خطاب ترشحه للرئاسة أنه قضى 45 عاما داخل الجيش أي أنه دخل الجيش بالشهادة الإعدادية، فلم يرى في حياته إلا أن يؤمر فَيطيع أو يُأمر فَيُطاع، فلم يمر بمرحلة حتى ولو قليلة من المدنية، فلا يعلم من حياته كلها إلا الأوامر والثواب والعقاب، فأغلق على مصر متنفسها وأصبح السيسي هو المصدر الرئيسي للتشريع، والمصدر الرئيسي للإعلام والمصدر الرئيسي للقضاء، والمصدر الرئيسي للإنجازات إلخ...
إن ما يفعله السيسي بمصر جد خطير ويفوق خطر الاحتلال الإنجليزي والفرنسي و"الإسرائيلي"، فهؤلاء كانوا احتلالا رغم ذلك حافظ الشعب على هويته، وقت أن كانوا يحكمون لأنهم بغاة فلا أمان لهم، بينما أن يأتي ضابط جيش لا يبغي من تحركاته إلا بقاء الحكم له فقط دون مراعاة لأي شيء سواه فهذا ما يفاقم الخطر، فقد قام السيسي ببتر نشاطات الإخوان الخيرية والتعليمية والدينية، ولم يستطيع بتر الإخوان ولن يستطيع، في الوقت نفسه الذي أعطى متسعا للصوفيين في الحركة، ورأينا مسلسلات رمضانية لممثلين مصريين يروجون لهذا مثل مسلسل مولانا العاشق الذي يقوم ببطولته مصطفى شعبان، ثم طارد السيسي شيوخ الدعوة المحترمين أمثال الشيخ العلامة يوسف القرضاوي والشيخ محمد عبد المقصود، وغيرهم مقابل أن أعطى الحرية لشيوخ السلطان السلفيين في التحرك أمثال برهامي ومخيون وحسان، ثم أيضا قوض الأزهر وطمس هويته وسيطر عليه شيوخ العلمانية مما طمس دورة كمنارة للدين في العالم الإسلامي في مقابل أن أعطى حرية كاملة للكنيسة في التحرك و التبشير.
والحقيقة برغم أن الفكر العلماني المصري لا يريد أي تحرك ديني في المجتمع، ويعملون على فصل الدين تماما عن الدولة، إلا أني انطلاقا من الفكر الليبرالي الذي أعتقده، وانطلاقا من الديمقراطية التي أؤمن بها أنا لست ضد ما تقوم به الكنيسة أو شيوخ سلف السلاطين وشيوخ الأزهر الموظفين، ولكن ضد أن ينطلق هؤلاء ويحرم هؤلاء، فإن حدوث ذلك يحدث اختلالا مذموما في المجتمع لا يمكن تلافيه، وليصمت من يقول أن الفاطميين لم يستطيعوا تغيير هوية الشعب، لأن الفاطميين لم يحملوا مشروعا كما يحمله الفرس والذي بدأ بالتوسع موازيا مع التوسع الصهيوني في الشرق الأوسط، بل السيسي يحمل مشروعا شخصيا بحتا لذا سمح بتوسع الشيعة في مصر وسمح بتوسع الصوفيين مقابل ترسيخ حكمه، مع الرسائل المبطنة التي تبثها الوسائل الحديثة كالإعلام وغيرها فتصبح مهمة الشيعة سهلة ومهمة الصهاينة أسهل، ورأينا العطب في التطور الذي أصاب المجتمع من انقسام في غضون شهرين من الانقلاب العسكري إلى أن وصل الآن بعد عامين إلى نتائج عظيمة الخطورة، وهذا حتى لا يتفق مع قوانين الطبيعة فلقد ترك السيسي الفعل ونزع رد الفعل ليصبح الوعي العام في مصر يتشكل بقوة واحدة ناعمة وخشنة في آن واحد، ترك حسان وطارد عبد المقصود وترك عمرو خالد وطارد غيره كثيرين.
لذا أصبح السيسي خطرا على مصر والمصريين ويجب إقصاؤه فورا عن حكم مصر، إن ما يرسخه السيسي لانقسام في المجتمع المصري، سينتهي إما بتقسيم مصر وحرب أهليه أو إبادة طرف لطرف، وإذا استمر السيسي لأكثر من ذلك فستختل التركيبة الثقافية والتعليمية، وهو أخطر مما فعله العسكر خلال 60 عاما، فقد عمل العسكر على محو للثقافة والتعليم وهو ما يستوجب البناء بينما ما يفعله السيسي في هوية المصريين يستوجب الهدم ثم البناء، لذا وجب على عقلاء الجيش المصري بالتحرك حتى لا نتجرع كلنا السيسي.