"الأب الروحي لحركة 9 مارس لاستقلال
الجامعات"، هكذا كنت أُعرف الدكتور محمد
أبو الغار عندما أستعين برأيه في موضوع صحفي قبل ثورة
25 يناير.
كان أول اسم يتبادر إلى ذهني وغيري من الصحفيين بعد أي حدث يتعلق بالجامعات، أُحدثه فينطلق لسانه بكلام ملهم عن استقلال الجامعات وسفه السلطة وحتمية التغيير، أُغلق الهاتف معه وأنا أكثر إيمانا بالتغيير وقيم الحرية واحترام حقوق الإنسان وأتمنى لو تغيرت الظروف في
مصر ليحصل هذا الرجل على المكانة التي يستحقها.
قامت الثورة وتغيرت الظروف وأصبح أبو الغار رئيسا لحزب سياسي، توقعت أن يصبح رقما مهما في المعادلة، وأن يكون سدا منيعا أمام أي محاولة للانقضاض على الثورة والارتداد إلى ما قبل 25 يناير، لكنه لم يفعل، ولم يكتف بأنه لم يفعل، بل تحول إلى أحد منّظري الاستبداد وكهنة السلطة، يبرر كل إجراء قمعي تتخذه، ويتقرب إليها بمعاداة شباب كانوا يضعونه يوما على رأس أي حكومة إنقاذ.
"لا أدرى ما إذا كان اكتفائي بمعارضة مبارك والاشتراك في ثورة 25 يناير يكفى سياسيا فى حياتي أم لا، فهل كان يجب أن أتوقف بعد الثورة أم ما فعلته كان صوابا".
هذا ما قاله الدكتور أبو الغار في حواره مع المصري اليوم الأربعاء (8 تموز/يوليو 2015)، هو لا يدري إن كان قراره بالاستمرار في ممارسة السياسة بعد رحيل مبارك كان قرارا صحيحا أم لا، لذلك سنساعده للوصول إلى إجابة لهذا السؤال.
نعم يا دكتور، كان يجب أن تستمر في ممارسة السياسة بعد رحيل مبارك، أن تدافع عن قناعاتك بأن الاستبداد لا يقيم دولة، وأن الظلم يبقى ظلما حتى لو كان مؤقتا، وأن الجامعات يجب أن تبقى مستقلة عن الدولة، وأن الرئيس هو المسؤول الأول عن أي إخفاق، وأن الديمقراطية هي الطريقة الأصح لحكم مصر، وأن الأحزاب السياسية ليس من مهامها التطبيل للحاكم، وقتها كان استمرارك في السياسة مفيدا ومطلوبا.
لكن عندما تتراجع عن قناعاتك السابقة فتتجاهل حبس الآلاف بالباطل، وتؤيد الاستبداد فتسميه "دعم الدولة"، وتؤيد قانون الإرهاب الذي يعصف بحقوق الناس والإعلام، وتغض الطرف عن ديكتاتورية النظام الحالي باعتبارها أفضل من ديكتاتورية الإخوان، يكون خيار اعتزال السياسة والتركيز في عملك طبيبا، والاعتماد على تاريخك السابق أفضل لك وللثورة وللبلد.
***
هناك عدة وقائع تحول بعدها اختلافي مع أبو الغار في وجهات النظر إلى تشكك في كون الرجل داعية تغيير فعلا يرفع مطالب يراها عادلة ويستعد لدفع ثمن مواقفه.
في 2 آذار/مارس الماضي كتب أبو الغار مقالا ناريا في المصري اليوم، بعنوان البرلمان الوهمي أورد فيه حقائق صادمة تؤكد رغبة الدولة في إقامة نظام حكم أشد سوءا من نظام مبارك.. قال:"وأخيرا خلال غياب البرلمان أصدر الرئيس أعدادا هائلة من القوانين بعضها غير دستورى وبعضها قد يؤسس لدولة بوليسية، فى النظم الديمقراطية يكون لمجلس الشعب دور تشريعي ورقابي قوي على السلطة التنفيذية، والدول الديكتاتورية ترغب في مجلس شعب صوري لا يراقب ولا يشرع، وإنما هو فقط لاستكمال ديكور مظهري، وهذا ما يبدو أن مصر تريده. وبغض النظر عن حكم الدستورية، فإن الملخص المفيد هو أن الرئيس والدولة لا يريدان برلمانا يؤدى وظيفته الحقيقية، وإذا اضطرا إلى ذلك فليكن برلمانا وهميا لا قيمة له".
وقتها شعر كثيرون أن بضاعة الثورة ردت إليها، وأن من غرر بهم في الطريق إلى استعادة وعيهم وخوض المعركة الصحيحة، لكن بيانا أصدرته الرئاسة للرد على المقال قلب الأمور رأسا على عقب، ورغم أن البيان لم يرد بشكل قاطع على ما طرحه أبو الغار في المقال واحتوى على عبارات عامة من نوعية أنها "ما زالت وستظل تقف على مسافة واحدة من الجميع"، لكن الدكتور محمد استقبل البيان بلهفة شديدة وكأنه اكتفى بأن الرئاسة ترى ما يكتبه وتهتم بالرد عليه. بعدها بثلاثة أيام وتحديدا في 5 آذار/مارس كتب أبو الغار مقالا لم ينقصه سوى اعترافه بأنه تلقى أموالا من الإخوان لكتابة المقال السابق، قال في سياقه: "أما بالنسبة لمساندة قائمة «حب مصر»، فأنا متأكد- بما لا يدع مجالا للشك- من حيادك التام"، وهو من أكد قبل ثلاثة أيام أن الرئيس والدولة لا يريدان برلمانا يؤدى وظيفته الحقيقية، و"لقد تسلمتم الرئاسة في ظروف غاية الصعوبة، ولا تزال الأمور معقدة، فالإرهاب في سيناء مازال يعمل"، ولم يشرح علاقة الإرهاب في سيناء بكون الدولة تريد برلمانا تابعا، ثم امتلأ المقال بعبارة "سيدي الرئيس" في العنوان وفي المتن وهو الذي لم يقلها ولو لمرة واحدة في المقال السابق.
أعطى أبو الغار مثالا حيا لمن يعارض من أجل قناعاته، ومن يكتب لتراه السلطة
***
ربما يفوق استيائي وأنا أكتب هذا الكلام استياء الدكتور محمد أبو الغار وهو يقرأه، فقد كنت أتمنى أن أكتب عن دوره في توجيه دفة الثورة للمكان الصحيح والدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان واستقلال الجامعات، لكنه هو من اضطرني لكتابة كلام قاس يليق بصدمتنا فيه.
أكتب هذا الكلام بعدما أعلن أبو الغار أنه لن يخوض انتخابات الحزب الديمقراطي الاجتماعي المقبلة، فقبل أن يترك مكانه في الحزب وبعد أن ترك مكانته في قلوبنا، كان يجب أن نحكي لمن سيأتي بعده قصة رجل كنا نحبه.