أثارت تصريحات وزير العدل
المصري، المستشار أحمد
الزند، التي تحدث فيها عن "زلزال تشريعي" في مصر، جدلا كبيرا في الأوساط القانونية والحقوقية، واعتبرها البعض تسيسا واضحا للقضاء، وانتهاكا صارخا لحقوق المتهمين في التقاضي أمام قضاتهم الطبيعيين بدرجاتهم المعروفة، وتؤسس لدولة الغاب.
وكان الزند قد أكد في معرض حديثه لإحدى الصحف الموالية للانقلاب أن ما أسماه "الزلزال التشريعي" سوف يشمل قيام محكمة النقض بالفصل في قضايا
الإرهاب من المرة الأولى، وتحرير قاضي الجنايات من الالتزام بسماع الشهود، وإلغاء تقديم نيابة النقض للطعن وجوبا".
رب ضرة نافعة
وتعليقا على تصريحات الزند، يقول الأمين العام لنقابة المحامين، وعضو هيئة الدفاع عن الرئيس محمد مرسي، محمد طوسون، إنه "ليس من اختصاص السلطة القضائية إصدار قوانين في ظل غياب البرلمان، واستبعد هكذا إجراء".
وأضاف لـ"
عربي21": "ولكن رب ضرة نافعة، فاختصار مرحلة التقاضي ورميها في ملعب محكمة النقض يصب في مصلحة المتهمين من حيث لا يدري النظام؛ لأنها لا يمكن أن تقبل أحكام ما تسمى بدوائر الإرهاب"، مبينا أن السبب في ذلك أن تلك الأحكام "مبنية على أدلة واهية"، حسب تقديره.
النقض الملاذ الأخير
وأوضح طوسون أن "محكمة النقض أرست مبدأ قانونيا جاء فيه "أنها لا يمكنها التعويل في تكوين عقيدتها على تحريات جهاز الأمن الوطني، ولا تصلح التحريات أن تكون وحدها دليلا بذاته أو قرينة بعينها على الوقائع المراد إثباتها ضد المتهمين".
ورأى الأمين العام لنقابة المحامين أن السيسي "مغتصب سلطة التشريع، وأصدر مئات التشريعات دون وجه حق، وعلى رأسها القانون الذي يخوله عزل رؤساء الهيئات المستقلة، والأجهزة الرقابية"، موضحا أنه "يفوق الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس مرسي".
وكانت محكمة النقض قد راجعت الأحكام الصادرة في عشرات القضايا، وقررت إلغاء العقوبات الصادرة ضد المتهمين جميعا من دوائر الإرهاب التابعة لمحاكم الجنايات، وأمرت بإعادة المحاكمات من جديد.
مصر ما قبل دولة القانون
بدوره، أكد الباحث بوحدة
العدالة الجنائية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، كريم عمارة، أن مثل تلك الأجراءات التي يقترحها الزند "تنتقص من حق التقاضي، وعندها يصعب الحديث عن محاكمات حقيقية عادلة، خاصة وأن مجلس
القضاء الأعلى أقر بعدم دستورية عدد من المواد في قانون مكافحة الإرهاب -ورأيه استشاري غير ملزم- وأبدى تحفظات على مواد أخرى".
وقال عمارة لـ"
عربي21" إن "مصر لديها حالة شاذة فيما يتعلق بالقضايا الجنائية، فلا يوجد في درجات التقاضي استئناف، في حين يوجد في قضايا الجنح استئناف، والطبيعي أن القضايا الجنائية تحمل عقوبات أشد من الجنح، ويجب أن تتوافر فيها ضمانات أكبر، إلا أن القانون المصري يخلو من تلك الدرجة".
ووصف عمارة المضي قدما في هذا النوع من التشريعات التي تخالف الدستور "بالانتكاسة القضائية التي أعادت مصر لقرون ما قبل دولة القانون"، مشددا على ضرورة "توافر كل الضمانات، وتضييق المساحات أمام القاضي في عقوبة الإعدام؛ لأنه لا رجعة فيها".
وذكر بتصريحات المجلس العسكري إبان تقلده مقاليد إدارة البلاد عقب ثورة 25 يناير، ووضع رموز نظام مبارك في السجون بـ"ضرورة الالتزام بالضمانات والمحاكمات العادلة حتى لا يتم تقويض النظام القضائي، وتأليب المجتمع الدولي على البلاد".
التشريعات الجديدة "قتل خارج إطار القانون"
أما الخبير القانوني وأستاذ القانون الدولي، السيد أبو الخير، فقال إن مثل تلك التشريعات التي يراد بها الإجهاز على خصوم النظام "تخالف أبسط أبجديات العدالة الموجودة في العالم"، مضيفا في حديث لـ"
عربي21": "إذا تم تطبيقها على دوائر الإخوان المسلمين فهو قتل خارج إطار القانون".
وتابع: "القانون إذا فرض من السلطة فهو ليس قانونا، إنما أداة انتقام، وهذا النظام مصاب "بإسهال تشريعي".
ونبه أبو الخير إلى أن "انتفاء ضمانات المحاكمات العادلة يتعارض مع نظم العدالة العالمية المعروفة في العالم، سواء الإسلامية أو اللاتينية أو الأنجلوساكسونية أو الشيوعية، ومحكمة النقض محكمة قانون، وليست محكمة وقائع".
واستنكر الخبير القانوني محاولات النظام المصري استخدام القانون أداة لتصفية نظام الإخوان، على خلاف ما حدث مع نظام مبارك، وقال: "ليس بعد الكفر ذنب، فلا تنتظر من مغتصب سلطة شرعية تحقيق أي عدالة، فهناك عداء مستعر بين النظام والإخوان الذي يتعامل بمبدأ: إما نحكمكم أو نقتلكم"، حسب تعبيره.
وبرر أبو الخير رغبة نظام عبد الفتاح السيسي في التخلص من "قيادات الإخوان المسلمين" بـ"تحقيق حلمه بإدارة دولة بلا إخوان، بلا معارضة، القوى الوحيدة التي لها قواعد شعبية كبيرة في الشارع المصري، وتملك مفاتيح التغيير"، على حد قوله.