بلقاء العاهل السعودي الملك سلمان بخالد مشعل رئيس المكتب السياسى لحركة حماس انطلقت عواصف من النقد من موالين للسلطة في
مصر، يرون أن ذلك لا يخدم التوجه المصري في حصار تنظيم
الإخوان والقضاء عليه.
ووصل السخط ببعضهم إلى اتهام النظام السعودي بخذلان مصر في الحرب على
الإرهاب على حد تعبيرهم، على الجانب الآخر يرى المؤيدون للتقارب السعودي مع حركة حماس أنها خطوة في الاتجاه الصحيح لحشد كل القوى السنية بالمنطقة، وتوحيدها للتصدى للمشروع
الإيراني، خاصة عقب الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى الذي ضاعف كل المخاوف من تمدد المشروع الإيراني ودعم حلفائه في ملفات الصراع المفتوحة في سوريا والعراق واليمن.
الخلاف في الموقف السعودي المصري لم يعد خفيا على أحد، وتباعد الرؤى السياسية في التعامل مع كثير من الملفات الإقليمية صار واضحا، بدءا من الأزمة السورية وحرب اليمن والملف الليبي، وكذلك القضية الفلسطينية والمشهد العراقي.
الاختلافات قبل ذلك كان يمكن التعايش معها وقبولها على مضض، أما الآن فبعد التطورات والتداعيات التي أعقبت الاتفاق النووي الإيراني يبدو أن حسم هذه الخلافات سيكون واجبا ولا يحتمل التأجيل.
منشأ الخلاف الحالي بين مصر والسعودية هو موقف النظامين من إيران ومن الإخوان، فالسلطة في مصر ترى أن جماعة الإخوان هي الخطر الأكبر الذي يجب مواجهته خاصة بعد أن حولت صراعها مع الإخوان إلى صراع صفري هدفه استئصال الإخوان والعمل على إنهاء وجودهم كقوة فاعلة مستقبلا في مقابل موقف باهت نسبيا من خطر المشروع الإيراني.
بل زاد من تأزم الموقف اقتراب الرؤية السياسية للسلطة في بعض القضايا –مثل ملف سوريا- من الموقف الإيراني والروسي الذي يتبنى بقاء بشار الأسد والتعايش مع ذلك، بالاضافة إلى تحركات منفردة تخص الملف اليمني لا تروق للجانب السعودي الذي يرى أن هذه التحركات، لا تلائم رؤيته لحل أزمة اليمن ووقف المد الإيراني، ممثلا في الحوثيين وحليفهم عبد الله صالح.
عقدة الإخوان لا تفارق النظام المصري، ولا يستطيع الخروج عن إطارها، وما يفرضه ذلك من خيارات، أما النظام السعودي فيرى الأولويات بشكل مختلف، حيث تمثل له المطامع الإيرانية خطرا وجوديا لا يمكن تأجيل مواجهته، ولا يمكن قبول الانشغال بمعركة مع أي قوة أخرى قبل إيقاف الزحف الإيراني المرتدي لعمامة الطائفية التي تسببت في إسقاط ثلاثة دول عربية كبرى حتى الآن هى العراق وسوريا واليمن.
لا يعاني النظام المصري من مشكلة الطائفية المذهبية، لأن الغالبية الساحقة من المصريين يتبعون المذهب السني، بينما يمثل الوجود الشيعي في
السعودية ودول الخليج الأخرى قنبلة موقوتة تهدد بمصير مظلم، إذا لم يتم تقليم أظافر إيران ومحاصرة توسعها وتفجيرها للأزمات الداخلية في هذه الدول.
أما الخطر الجديد الذي يهدد الجميع فهو تنظيم داعش، الذي طالت يداه الدولة المصرية في سيناء ووصل إرهابه لوسط القاهرة في الوقت ذاته الذي بدأ خطره يهدد الأراضي السعودية بشكل مباشر، بالتوازي مع تمدده في العراق وسوريا وليبيا.
صارت الرياض ترى أن النظام المصري الحالي لا يقدر المخاطر الكبرى التي تمثلها إيران وداعش مع اختلاف توجهاتهم، لذلك سعت الرياض منذ فترة للثنائي التركي القطري قاعدة ارتكاز لبدء تكوين حلف سني حقيقي قد تنضم له مصر لاحقا، حين تعيد ترتيب أولوياتها، وتعالج ملف الإخوان بشكل مختلف.
السعودية ترى أن إيران أعظم خطرا من الإخوان، بينما ترى السلطة في مصر أن الإخوان هم الخطر الأكبر الذي يهدد وجودها، وفي الوقت ذته الذي ترى فيه القيادة السعودية الجديدة جماعة الإخوان وفروعها في المنطقة العربية رصيدا هاما في معادلة الاتزان في وجه الطوفان الإيراني، ترى السلطة في مصر أن استئصال الإخوان لا بديل عنه.
السعوديون ينظرون لتجارب عربية ناجحة لاحتواء الإخوان داخل منظومة الحكم في المغرب وتونس تجارب يمكن الاستفادة منها في النموذج المصري الذي يرون فيه استحالة استئصال الإخوان، الذين كانوا أكبر فصيل سياسي متجذر شعبيا، وما زال له ملايين من مناصريه، ويرون أن المعركة التي تخوضها السلطة في مصر لن تؤدي إلا إلى مزيد من تعقيد الأزمة، وزيادة التوتر في المنطقة، التي تحتاج للدور المصري الذي يجب أن يقدر أولويات المرحلة الجديدة التي تشكل خطرا على الجميع، بما فيها مصر التي يعني استمرار نهج السلطة فيها بآليات المواجهة الحالية ذاتها إهداء جيل جديد من التكفيريين إلى داعش المصرية أولا، ثم داعش الإقليمية ثانيا!
لا يحب النظام السعودي الإخوان، ولكنه مضطر للتعامل بكل الأوراق التي يستطيع حشدها لمواجهة خطر أكبر. هل تدرك السلطة في مصر تغيرات المشهد الاقليمي، أم تظل أسيرة صراعها المحموم مع الإخوان؟
الأفق القريب يحمل كثيرا من المفاجآت..