نشرت صحيفة "لوجورنال دي ديمانش" الفرنسية تقريرا حول تسابق الدول الغربية لغزو السوق
الإيرانية بعد الاتفاق، والضغوطات التي تمارسها الشركات الفرنسية للتعجيل بإرسال وفد رسمي لطهران، بعد أن كانت
فرنسا قد لعبت دورا إيجابيا وحيويا في دفع ظريف وكيري نحو التوصل لتفاهم.
وتحدثت الصحيفة في هذا التقرير، الذي أعده الصحفي فرانسوا كليمونسو و ترجمته "
عربي 21"، عن أسرار دور فرنسا في المفاوضات النووية، وما مارسته من ضغط وإقناع للمتفاوضين، بالإضافة للاستشارات التي قدمتها بفضل خبرتها في النشاط النووي.
وقالت "لوجورنال دي ديمانش" إن وزير الخارجية الفرنسي لورون فابيوس، ينتظر مرور مهلة على تاريخ عقد
الاتفاق النووي، ليتوجه على إثرها إلى إيران للبحث في سبل مد علاقات ديبلوماسية، تخيرت فرنسا المضي فيها بترو.
وأشارت إلى سرعة التفاعل الدولي مع بنود الاتفاق النووي؛ حيث استقبلت طهران الأحد الماضي، نائب المستشارة الألمانية، مرفقا بوزير الاقتصاد سيجمار جابريال و50 من رجال الأعمال، وهو ما أثار حفيظة أحد الديبلوماسيين الفرنسيين.
وتساءلت الصحيفة إن كان الوقت قد حان فعلا لترك الحذر والانغماس في العلاقات مع إيران، وذكَّرت في هذا السياق بتصريحات المرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي، التي أدلى بها يوم العيد، والتي أكد فيها على استحالة تغيير السياسات الإيرانية إزاء "الحكومة المتغطرسة للولايات المتحدة"، لتقابل هذه الكلمات بشعارات أتباعه المنادية بالموت لكل من أمريكا و"إسرائيل".
من جهة أخرى، نقلت الصحيفة عن أحد المختصين في الشؤون الإيرانية، أن "خامنئي اكتفى بتوجيه رسالة شكر للفريق الإيراني للمفاوضات، دون أن يقوم بتهنئته، ما يطرح تساؤلات عن مدى استعداده لبدء التطبيع مع الغرب".
وذكّرت بتأكيد خامنئي على تمسك إيران بسياساتها الخارجية بالمنطقة، وتحديدا مواصلتها دعم "أصدقائها في سوريا والعراق ولبنان واليمن"، متسائلة إن كان يسعى بذلك حفظ التوازن بين الشقين الإصلاحي والمحافظ، استعدادا للمرحلة القادمة التي قد يتنحى فيها بسبب المرض.
وأكدت الصحيفة أن وزير الخارجية الفرنسي يتلقى عشرات المكالمات اليومية من رجال أعمال أبدوا استعدادهم لمرافقته إلى طهران، غير أنه أبدى رغبة في الانتظار قليلا قبل الإيفاء بوعده بالاستجابة للدعوة التي وجهها له نظيره الإيراني، وأرجعت ذلك إلى أن لورون فابيس يفضل التريث، بعد أن شهد بنفسه المنعرجات الحرجة التي مرت بها صفقة الاتفاق النووي، وهو ما جعله يقترح ورشات عمل صيفية للمستثمرين، حتى لا ينفذ صبرهم.
وأشارت الصحيفة، نقلا عن أحد المشاركين في المفاوضات، إلى أن حالة من التلكؤ واللامبالاة قد سادت الوفد الإيراني خلال إحدى مراحل التفاوض، ما دفع بالجانب الفرنسي إلى ممارسة الضغط وتسريع المداولات، عبر مطالبة وزيري الخارجية الإيراني والأمريكي بالمسارعة في الانتهاء من الأمر وتوقيع الاتفاق.
وأضاف هذا المصدر أن أمريكا لم تكن تريد الامساك بزمام الأمور، مخافة أن تعتبر إيران أن الشروط الغربية هي إملاءات أمريكية، وتتوتر الأجواء داخل قاعة المفاوضات. ومع اقتناع الجانب الروسي بحساسية المسألة وخطورتها، تظافرت جهود كل الأطراف، ليؤول الأمر إلى ما هو عليه الآن.
وتحدثت "لوجورنال دي ديمانش" عن الأجواء التي سادت المفاوضات؛ من توتر وضحك، وانفعال وهدوء، مذكرة بالعبارة الشهيرة لجواد ظريف؛ "إياك أن تهدد إيرانيا"، التي قابلها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بتعقيبه "ولا روسيا".
وصرحت بأن الوفد الإيراني قد تمكن من تجاوز موجة الغضب التي اجتاحت بعض الأوساط الإعلامية، ليكتسب شعبية لدى المجتمع الإيراني، بشقيه المشكك والداعم للتفاوض، الذين عبروا عن رضاهم على مردود وزير خارجيتهم وقدرته على "حسن تمثيل هوية الجمهورية الإسلامية"، كما أكد أحد المعلقين.
واعتبرت الصحيفة أن هذا الاتفاق يعتبر حلا وسطا يرضي جميع الأطراف، وإلا لما كان ليحظى بقبول الإيرانيين ورضى الفرنسيين، حتى وإن لم يكن الأفضل على الإطلاق، فإنه مقبول إجمالا.
وذكرت الصحيفة بأهم عاملين يفتخر بهما الفرنسيون؛ يتعلق أولاهما بالاعتراف بخبرتهم طوال فترة المفاوضات، ويتمثل الثاني في فكرة "الفيتو البديل"، تحسبا لأي تراجع ممكن من الجانب الإيراني.
حيث يتباهى الوفد الفرنسي بالاستشارات التقنية التي طلبتها منه الوفود الأخرى، بما فيها الوفد الأمريكي، الذي كان عند كل نقطة تقنية يسارع لأخذ رأي الفرنسيين، على الرغم من تواجد وزير الطاقة إرنست مونيز؛ الخبير العالمي المتضلع في علم الفيزياء النووية.
أما "الفيتو البديل"، فيتمثل في العودة الآلية للعقوبات في صورة خرق الاتفاق، حيث وقفت الأطراف المتفاوضة عاجزة أمام إيجاد صيغة تواجه بها فرضية عدم وفاء إيران بالتزاماتها كما وردت في النص الديبلوماسي؛ إذ يكفي استعمال حق الفيتو من قبل إحدى دول مجلس الأمن دائمة العضوية، حتى تتم عرقلة قرار إعادة فرض العقوبات.
ولحل هذا المشكل، تقول الصحيفة أن فرنسا طرحت فكرة "الفيتو البديل"؛ الذي يسمح بعودتها الآلية، إذا اعتبرت أي من الدول الغربية أن إيران أخلت بالتزاماتها. وبعد أن كان رأي دولة واحدة (مثل روسيا) كافيا لعرقلة عودة العقوبات، أصبح رأي دولة واحدة؛ مثل الولايات المتحدة كافيا لعودتها.
بالعودة إلى مسألة التطبيع بين باريس وطهران، قالت الصحيفة إن فرنسا تفضل التدرج في إعادة العلاقات، إلى حين البدء في ترجمة بنود الاتفاق على أرض الواقع مع حلول السنة المقبلة، وخاصة منه الجزء المتعلق برفع العقوبات على إيران، كما لفتت إلى حرص الجانب الفرنسي على أن "يعي الإيرانيون أهمية التعاون" معهم.
وفي الختام، قالت الصحيفة إن فرنسا قد أبدت اطمئنانها للجانب البراغماتي الإيراني، مؤكدة على أن اليقظة والمراقبة المستمرة لا نفي إمكانية التعاون.