في العام 1965 كانت سولانج في التاسعة عشرة من عمرها موظفة في السفارة الفرنسية في بكين حين اندلعت "
الثورة الثقافية" الماوية، فراحت تلتقط صورا لم يكن في بالها أنها ستصبح فيما بعد وثائق
تاريخية تنتشر في الصين بعد نصف قرن.
ففي شهر كانون الثاني/ يناير الماضي أصدرت سولانج براند كتابا بعنوان "
ذاكرة الصين- 1966" جمعت فيه تسعين
صورة تؤرخ لواحدة من أهم محطات التاريخ الحديث للصين.
ويظهر في هذه الصور صينيون تحدوهم شعارات الصراع الطبقي، ملوحين بنسخ من "الكتاب الأحمر الصغير" للزعيم الشيوعي ماوتسي تونغ، أو محدقين باللوحات الإعلانية الدعائية التي كانت السلطات تزرعها في الشوارع بهدف "تثقيف الجماهير"، أو مشاركين في تظاهرات ضخمة في احتفالات الأول من أيار/ مايو، أو احتفالات الأول من تشرين الأول/ أكتوبر، أو الاستعراضات الاحتجاجية على حرب فيتنام.
وتظهر هذه الصور كلها بالألوان، الأمر الذي يجعل منها ذات قيمة لا تقدر بثمن.
ففي تلك الحقبة من تاريخ الصين، "كان الصحافيون الغربيون ممنوعين من دخول البلاد، وكانت الصور الملونة تقتصر على تلك الملتقطة للزعيم ماوتسي تونغ"، بحسب ما يقول لوكالة فرانس برس روبرت كلين مدير أعمال المصورة.
وقد بيعت من هذا الكتاب 11 ألف نسخة، وينتظر صدور طبعة ثالثة منه قريبا. وفي الآونة الأخيرة، زارت سولانج الصين مجددا، وأثارت اهتمام وسائل الإعلام المحلية، لا سيما أنها أبقت هذه الصور في الظل لوقت طويل محتفظة بها على مدى عقود في منزلها في باريس.
وخلال تلك السنوات، كانت سولانج قد غادرت الصين وانتقلت للعمل في صحيفة "لوموند" على مدى عشر سنوات، ثم تولت الإدارة الفنية لمجلة "لوموند ديبلوماتيك" على مدى 25 عاما.
وتقول سولانج: "تظهر هذه الصور براءة من جانبي أنا ومن جانب الصينيين، فأنا كنت شابة وأستكشف كل شيء، وهم لم يكونوا متعودين على أن تلتقط لهم صور، وكانوا يدهشون من وجود شابة أجنبية بينهم".
فالصين عام 1966، أي قبل 15 عاما على اعتماد سياسة الانفتاح، تختلف تماما عما هي عليه اليوم من حداثة.
فالسيارات كانت قليلة، مثلها مثل الأجانب النادرين الذين كانت السلطات تسمح لهم بدخول أراضيها بموجب أذونات خاصة.
ولما لم تكن هناك رحلات جوية بين بكين وباريس، فقد كانت سولانج تقصد أحد المطارات الروسية ومنها إلى بلدها.
وتستذكر تفاصيل من تلك المرحلة: "كانت السفارة منقطعة تماما عن العالم، فالحقيبة الدبلوماسية كانت تأتينا عن طريق هونغ كونغ".
وأحضرت سولانج معها إلى بكين دراجة تعمل بالمحرك، وتروي قائلة: "إن تركت الدراجة في أي مكان كنت أجد مئة شخص أو 150 يتحلقون حولها لمعرفة ما هي وكيف تعمل".
وتقول: "كانت بكين مدينة رمادية حين وصلت إليها، مع الكثير من الملابس باللون الأزرق، ثم بدأ اللون الأحمر ينتشر".
فقد تحول اللون الأحمر إلى رمز للثورة، من زي الحرس الأحمر إلى تلك الأعلام المرفوعة في التظاهرات المعادية للسوفييت "التحريفيين"، بعد القطيعة بين موسكو وبكين.
ومع إطلاق "الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى" بين العامين 1966 و1976، قضى ماوتسي تونغ على أي شكل من المعارضة، وبنى نظاما قائما على عبادة الشخص. وترافق ذلك مع ما كان يطلق عليه اسم "إعادة تثقيف" المثقفين الصينيين الذين كانوا ينقلون قسرا إلى الريف، وتشكيل وحدات نخبة لقمع التوجهات المخالفة للنظام، وكثير من الفوضى، فانتهى الأمر باضطرابات راح ضحيتها مئات الآلاف.
عاينت سولانج التظاهرات الضخمة واحتفالات الثورة الماوية، لكنها لم تكن شاهدة على انطلاق حملات القمع، كتلك التي استهدفت الكاتب لاو شي الذي قضى في التحقيق معه أو دفع إلى الانتحار، فيما كان بيته يتعرض للتخريب.
وتقول: "لم أفهم حقيقة ما كان يجري إلا فيما بعد، أعتقد أنني كنت أرفض أن أفهم في البداية.. فلم أرد مثلا أن أقرأ كتابا مثل 'الملابس التسعة للرئيس ماو' في ذلك الزمن"، في إشارة إلى الكتاب الذي وضعه في العام 1971 الكاتب سيمون ليز حول الإفراط الرهيب الذي مارسته الثورة الثقافية.
وتقول أم لي المسؤولة في دار النشر الصينية لوكالة فرانس برس: "بما أن الموضوع حساس، اخترنا فقط تسعين صورة لوضعها في الكتاب".
ويلتزم الحزب الشيوعي الحاكم في الصين الصمت حول تلك الحقبة المظلمة من تاريخ البلاد، ولا يفلت من مقص الرقابة إلا حديث عن تجاوزات فردية وقعت أثناء الثورة الثقافية.