الأسئلة الكبرى التي لا نجيب عليها ؟

تبدو الحياة السياسية هذه الأيام في مصر متجمدة بشكل كامل بعد تأميم السلطة للعمل السياسي، وقصره على جموع الموالين الذين يتبعون خطها ويطبلون لفعلها ويبررون ممارساتها، لا صوت يعلو للسياسة في مصر بل إن التفكير في أى فعل سياسي مشروع، صار جريمة ومحل اتهام وسببا للتشكيك والتخوين، حالة ركود تام رغم الصخب الإعلامي المرتبط بقانون الانتخابات البرلمانية، الذي صدر استعدادا لإجراء انتخابات خلال الفترة القادمة طبقا لمصادر السلطة والإعلام، لكن من يتابع الأوضاع عن كثب، يدرك أن إجراء انتخابات برلمانية في ظل الظروف الراهنة لن يأتي بجديد؛ لأن المناخ الحالي سيفرز برلمانا على هوى السلطة؛ يسبح بحمدها ولا يمارس أي نوع من أنواع الرقابة والمساءلة المنوط بها، بل إن بعض رؤساء التحالفات الانتخابية المزعومة لا يخجلون من التصريح بأنهم يريدون دخول البرلمان من أجل دعم الرئيس، وتمرير قرارته وإضفاء القبول التشريعي عليها!

 القوى السياسية التقليدية تبدو منهكة وربما محبطة لشعورها أن قطاعات كبيرة من المصريين راضية عما يحدث بل ومؤيدة له، أصحاب الخط الثوري يرون أن حالة التأييد التي يروج لها النظام صناعة إعلامية بامتياز، وأن الواقع على الأرض يختلف تماما عما تروجه أبواق السلطة، بينما يكمل الإخوان في خطهم السياسي المنفرد والغارق في حسابات غير منطقية، تراهن على سقوط النظام من تلقاء نفسه أو عقب هبة ثورية فجائية، لا تبدوا لها أى ملامح ولا تكهنات، بين كل هذه الاتجاهات تبقى الأسئلة الكبرى التي لا تجد إجابة بين كل هؤلاء. 

ما هي الألية السلمية لتغيير النظام في ظل انسداد جميع المسارات وتأميم السياسة وسيطرة السلطة على مقدرات الدولة وأجهزتها ؟ أين الكيان المعادل للسلطة الذى يستطيع إقناع الجماهير بضرورة التغيير والاستفاقة من الخيالات والأوهام الحالية؟ كيف يتم بناء تيار ديموقراطي يتجذر شعبيا ويستطيع الضغط بشكل سلمي لبدء مسار سياسي جديد، يتوافق مع الديموقراطية ويحقق مدنية الدولة الغائبة؟ هل هناك أمل في القوى السياسية التقليدية، أم إنها صارت جزءا أبديا من الثورة المضادة؟ ما هو الموقف من جماعة الإخوان التي شئنا أم أبينا ستظل رقما مهما في أي معادلة قادمة؟ ما هو الموقف من تصاعد الاتجاه الفكري لتبني العنف بين الساخطين والمحبطين والمقهورين؟ كيف نوازن بين رفض الاستبداد ومقاومته، وبين مواجهة تحدي الإرهاب التكفيري الذي صار خطرا حقيقيا يهدد الجميع؟ ما هي المعادلة السياسية التي تتفهم التغيرات الإقليمية والأولويات الدولية وقراءتها للأوضاع في مصر؟ في حالة استمرار النظام الحالي فترة أطول مما هو متوقع كيف سيكون التعامل مع نموذجه السلطوي القمعي؟ ما هو الخيار الأمثل للتعامل مع مؤسسات الدولة وأجهزتها التي تماهت مع السلطة حتى صارت جزءا منها؟ 

إن الاكتفاء بمراقبة نظام يتخبط ويفشل والشماتة فيه والسخرية منه، لن تأتي بنظام جديد على هوى الديموقراطيين، بل إن نموذج الدولة الفاشلة يستطيع الاستمرار سنوات وسنوات، وربما عقودا إذا لم تتولد قوة جديدة وناضجة تستطيع إزاحته وملء فراغ السلطة لتشق الطريق للمستقبل، 
علينا الاعتراف جميعا أننا لسنا في حالة خمود حركي فقط، بل خمود فكري وخواء استراتيجي يجعل رؤيتنا قاصرة عن الإحاطة بزوايا المشهد المعقد الذي نحياه، نحن مشغولون بما يفعله النظام أكثر من انشغالنا بما يجب أن نصنعه نحن، يمكن تفهم عوامل الإحباط واليأس التي طالت الجميع بعد عامين من الدماء والقمع والحرب النفسية والاغتيال المعنوى لكل ما يمت للثورة بصلة، لكن استمرار البكائيات وتبادل الاتهامات وتوزيع صكوك الثورية والدعاء على الظالمين، لن تكون أبدا هي المدخل للخروج من المأساة. 

نحتاج ليقظة فكرية تتولد عنها رؤية استراتيجية تجعلنا نتعامل مع الواقع بالأدوات التي يحتاجها، وكما قالوا الفكرة قبل الحركة؛ لأن الحركة بلا فكرة تضر أصحابها أكثر مما تفيدهم ..