حين عمل القيادي الحوثي علي البخيتي على تلميع نفسه كشخصية وطنية بدأ بمهاجمة الحركة الحوثية، وأخرج كثيرا من عيوبها الباطنة ولفت نظر الناس إلى عنصريتها ودمويتها ومنطقها الاستعلائي الاستعبادي، وتجاوز ذلك للحديث عن عنصرية الهاشمية السياسية في
اليمن، التي تسعى لوأد الناس والتعامل معهم كوقود تقطع به المسافة الفاصلة بينها وبين كرسي الحكم.. في ذلك الوقت لقى البخيتي شيئا من الترحاب به اجتماعيا، عند العوام.
تمادى الرجل وبدأ في الطعن في شخصية محمد عبدالسلام "الانتهازية" وهو الناطق باسم الحركة الحوثية والجليس الدائم لعبدالملك الحوثي، وتحدث عنه بلغة فاضحة أخرجت كثير من القبح المتستر بالمظلومية والعدل والمساواة فيما هي حركة دموية لم يسلم منها أبناءها، الذين يتقاتلون ويتلامزون لأتفه الأسباب.. ذلك التمادي من البخيتي قابلته ردة فعل في صحيفة "الهوية" الحوثية التي وصفت الأخير بـ"ربيب المخابرات الإيرانية" وأنه جاسوس على الحركة لحساب مسئول المخابرات الإيرانية في حزب الله "الحاج أبو مصطفى..".
والحقيقة في تقديري أن قيادات في الحركة الحوثية أو ايعازات خارجية دفعت البخيتي ليؤدي وظيفة "الأسفنجة" فكل الحركات الإجرامية في التاريخ عند وصولها لبغيتها تدفع بعناصر منها لنقدها وسبها لامتصاص غضب الناس في تلك اللحظة، ومن ثم إذا ما امتدحوها يكون صوتهم مقبولا، وله وقعٌ ورنين.
البخيتي الناقد للحركة الحوثية غادر إلى بيروت منذ بدأت الحرب تدق طبولها في اليمن، حيث يقيم مع قيادات مليشاوية من حزب الله، وهذا الأسبوع تفاجئنا به يجلس مع الرئيس السابق والمجرم الحالي علي عبدالله صالح في جلسة غير متكلفة، يبدو عليها الاستغراق في التفاوض، حول آلية محددة؛ إما لفناء ما بقي من وطن وشعب، أو للخلاص والبحث عن مخرج للحوثة وصالح، فكلما توهجت اليمن بالانتصارات كلما أشتد الخلاف بين الحليفين، ومطلع هذا الأسبوع تحدثت وسائل إعلام محلية ودولية عن خلافات حادة بين الطرفين وصلت حد الاشتباكات في الضاحية الجنوبية لصنعاء.
في الصورة المشار إليها رمزية كبيرة، ويمكنني قراءتها على هذا النحو:
- صالح الذي بدأ ملتحيا وقورا بشعره الأشيب لا يزال يرتدي زيه الرسمي كما لو كان رئيسا فعليا.
- البخيتي ظهر بزي شعبي لا يؤكد غير شيء واحد هو انه عضو في حركة مليشاوية.
- وضع صالح ليده على رأس جنبية "خنجر" البخيتي حركة تقول: أنا ملك السلاح، وسأظل محتفظ به.
- لغة الجسد تقول حتى ولو ظهر صالح بدون مكتب وحراسة ألا أنه لا يزال مأخوذا بالعظمة والكبرياء من خلال حركة ساقيه، حيث وضع اليسرى على اليمني بطريقة أفقية وعبثية وساخرة بضيفه.
- لغة الجسد تقول أيضا أن البخيتي يبدو ضعيفا منكمشا يحاول استرضاء صالح.
- من المؤكد أن جهاز صالح الإعلامي هو من نشر هذه الصورة المهينة، لأنه من المستحيل أن يُسمح للبخيتي باصطحاب كاميرا ومصور للقاء صالح.
- من المؤكد أيضا أن البخيتي جاء من لبنان للقاء صالح ونقل تفاصيل صفقة إيرانية، جاءت بعد اشتباكات عنيفة بين الحرس الجمهوري ومليشيات الحوثي في معسكرات الحرس الجمهوري.
خارطة التحالفات القبلية لصالح والحوثي تتآكل كل يوم، ليس بسبب انتصارات المقاومة وانكسار مليشياتها، ولكن بسبب حالة الرعب الذي عمله طيران التحالف، لقصف كل تجمعات وأماكن تأوي المليشيات وتسهل عبورها وتنقلها، وزاد في ذلك شعور رجال القبائل أنهم وأبنائهم ليسوا أكثر من حجارة يعبد بها الحوثي طريقه إلى الكرسي المفقود، ولا يراهم صالح غير سواعد للإيجار يضرب بهم خصومه.. لذا عاد الكثير من الرشد، لرجال القبيلة اليمنية، ومن احتمله العناد إلى صفوف المليشيا فقد أعادته الجنائز إلى ديار أهله.