كتب عماد الدين حسين: ما الذي سيتغير بعد جولة الحوار الاستراتيجي
المصري الأمريكي الذي انعقد في وزارة الخارجية المصرية على كورنيش النيل يوم الأحد الماضي؟!
يمكن القول طبقا للمعلومات المتوافرة، ومتابعة مباحثات أمس الأول إن التوتر بين الحكومتين قد انخفض إلى حد ما، لكن الود الكامل لم يتحقق، والأكثر تأكيدا أن العلاقات بصورتها التي كانت موجودة يوم 24 كانون الثاني/ يناير 2011 أو 29 حزيران/ يونيو 2013 لن تعود مرة أخرى إلى الصيغ القديمة.
إحدى المشكلات الكبرى التي يقع الكثير من المصريين، خصوصا الإعلاميين، أنهم ينظرون إلى علاقتنا مع بلدان العالم باللونين الأبيض والأسود فقط.
والمفارقة أن البعض الذي كان يتحدث عن وجود مؤامرة أمريكية مكتملة الأركان ضد مصر هو نفسه الذي يتحدث الآن عن التطابق في وجهات النظر بشأن كل القضايا.
المنطقي والطبيعي أن علاقات البلدين، مثل أي علاقات بين دولة كبرى وأخرى متوسطة أو صغرى، تخضع للشد والجذب والمصالح، والوضع في المنطقة والعالم، والأهم الوضع في الداخل المصري.
بعبارة واضحة، إنه طالما كان المجتمع المصري قويا ومؤسساته بعافية، ومجتمعه المدني مؤثرا، قل تأثير أي عامل خارجي فيه والعكس صحيح تماما.
الواضح من قراءة مؤشر علاقات البلدان أنه يتحسن كثيرا مقارنة بما كان عليه بعد فض اعتصام
رابعة العدوية يوم 14 آب/ أغسطس 2013، وما أعقبه من إجراءات أمريكية عقابية تمثلت في تجميد المساعدات ووقف تسليم الأسلحة، وفتح أبواب الكونغرس ووزارة الخارجية أمام بعض الوجوه
الإخوانية، وحملة إعلامية وبحثية غير مسبوقة ضد الحكومة المصرية، خصوصا من صحيفتي واشنطن بوست ونيويورك تايمز.
واشنطن الآن صارت أكثر واقعية في التعامل مع الملف المصري، منذ اجتماع أوباما والسيسي في نيويورك في أيلول/ سبتمبر الماضي، وما أعقبه من إجراءات عملية تمثلت في وقف تجميد المساعدات، ثم تسليم بعض الأسلحة مثل الأباتشي ولنشين بحريين والـ إف 16 قبل أيام.
لكن في المقابل، فإن نظرة واشنطن خصوصا البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي و"الميديا"، ومراكز الأبحاث، ماتزال تعطي أولوية لملف الحريات وحقوق الإنسان، وإعادة احتواء جماعة الإخوان على حساب ملفات الإرهاب والتعاون الاقتصادي والعسكري.
المفارقة أن
كيري كان أقرب دائما هو ووزارة خارجيته إلى وجهة النظر المصرية الرسمية، لكن ولأنه يعبر عن سياسة رئيسه أوباما، فقد كان لافتا اجتماعه يوم الخميس الماضي، قبل ثلاثة أيام من وصوله إلى القاهرة، مع محمد سلطان ابن القيادي الإخواني صلاح سلطان.
محمد كان مسجونا في القاهرة، وتم الإفراج عنه بعد تنازله عن الجنسية المصرية.
بيان الخارجية الأمريكية وصف سلطان الذي صار أمريكيا فقط بأنه هو وشقيقته هناء "أعضاء مصريون في المجتمع المدني"، كما جاء في مقال الزميل توماس جورجسيان في صحيفة التحرير يوم الأحد الماضي.
في السياسة لا توجد أشياء عفوية أو عشوائية، وبالتالي فهذا اللقاء هو رسالة أمريكية إلى القاهرة بأنها لن تتوقف عن اللقاء مع الإخوان.
مرة أخرى، يبدو أنها ليست أخيرة.. أمريكا تتعامل بطريقة براجماتية بحتة معنا ومع غيرنا، طبقا لمصالحها وطبقا لرؤاها، ومن الواضح أنها قرأت الواقع جيدا، واقتربت أكثر من الحكومة المصرية، لكنها لن تترك ورقة الإخوان حتى تصل إلى قناعة كاملة بأنها ورقة محروقة.
على القاهرة الإصرار على إقناع واشنطن بصيغة صحية لعلاقات تقوم على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، بعيدا عن الجعجعة أو فرض الشروط. ولن يتحقق ذلك إلا عندما يكون الداخل قويا ومستقرا.
(عن صحيفة الشروق المصرية، 5 آب/ أغسطس 2015)