وفود حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري كانت تقوم منذ أيام بمباحثات لمشاركة الحزبين في تشكيل حكومة ائتلافية، وتقريب وجهات النظر وإزالة العقبات أمام توصل الطرفين إلى تفاهم يمكِّن الحزبين من الالتقاء في نقاط مشتركة. وفي ختام المباحثات الاستكشافية، فقد التقى زعيما الحزبين أحمد داود أوغلو وكمال كلتشدار أوغلو يوم الاثنين الماضي، في مقر رئاسة الوزراء بأنقرة، ووصفت نتائج اللقاء الذي استمر أكثر من أربع ساعات بـ"الإيجابية".
وبعد هذا اللقاء المطوّل، أعلن وزير الثقافة والسياحة التركي عمر جيليك، المكلف من قبل حزب العدالة والتنمية بإجراء المباحثات مع وفد حزب الشعب الجمهوري، أن داود أوغلو وكلتشدار أوغلو سيعقدان لقاء آخر يوم الخميس القادم، في آخر محاولة لتشكيل حكومة ائتلافية يشارك فيها الحزبان.
حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري خلال المباحثات التي أجرتها وفودهما تجاوزا كثيرا من العقبات، وفقا لتصريحات قادتهما، إلا أن هناك خلافات عميقة ما زالت تحول بين توصل الحزبين إلى اتفاق لتشكيل الحكومة. ولا شك في أن السياسة الخارجية تأتي على رأس هذه الخلافات، لأن حزب الشعب الجمهوري يصر على ترميم العلاقات مع النظام السوري والانقلابيين في مصر، بينما يرى حزب العدالة والتنمية ضرورة الاستمرار في السياسة الخارجية الحالية.
ومن أبرز الخلافات بين الحزبين، ما يتعلق بالتعليم الإجباري. وكان التعليم الإجباري في
تركيا يشمل فقط المرحلة الابتدائية، ولكن الحكومة التي تشكلت بعد إسقاط حكومة أربكان في عام 1997 جعلت التعليم الإجباري ثماني سنوات متواصلة، أي الابتدائية مع المتوسطة، بهدف إغلاق المرحلة المتوسطة لمدارس الأئمة والخطباء. وفي عام 2012، رفعت الحكومة التركية مدة التعليم الإجباري إلى 12 سنة، إلا أنها جعلته أيضا مقسّما إلى ثلاث مراحل: الابتدائية (4 سنوات)، والمتوسطة (4 سنوات)، والثانوية (4 سنوات). وهكذا، فقد تم افتتاح المرحلة المتوسطة لمدارس الأئمة والخطباء التي يدرس فيها الطلاب شيئا من العلوم الإسلامية بالإضافة إلى المواد الأخرى. والآن، يطالب حزب الشعب الجمهوري بأن يكون التعليم الإجباري 13 سنة، على أن تكون سنة واحدة للتعليم قبل الابتدائية وثماني سنوات متواصلة للابتدائية مع المتوسطة وأربع سنوات للثانوية، ما يعني العودة إلى النظام القديم في التعليم الإجباري وإغلاق المرحلة المتوسطة لمدارس الأئمة والخطباء من جديد.
حزب الشعب الجمهوري يريد تشكيل حكومة مهمتها الأولى "إصلاح ما تم تدميره خلال العقد الأخير". وإذا قبل حزب العدالة والتنمية هذا الشرط فسيكون قد اعترف بأنه قام بتدمير البلاد خلال حكمه بسياساته الخاطئة. وفي المقابل، فإن حزب العدالة والتنمية يرى أن حكومة ائتلافية يشكلها بمشاركة حزب الشعب الجمهوري ستكون حكومة تتمتع بشعبية واسعة ويمكن أن تقوم بإصلاحات كبيرة.
وكان حزب الشعب الجمهوري قد عارض بشدة تغيير طريقة انتخاب رئيس الجمهورية، ويطالب الآن بالعودة إلى النظام السابق الذي يتم فيه انتخاب رئيس الجمهورية من قبل أعضاء البرلمان بدلا من انتخابه عبر الانتخابات الرئاسية التي يدلي فيها الناخبون بأصواتهم ويختارون رئيس الجمهورية مباشرة عبر صناديق الاقتراع، ولكن حزب العدالة والتنمية يرفض ذلك ويراه "التراجع للوراء".
ما يريده حزب الشعب الجمهوري باختصار شديد، وكذلك من يشجع تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الشعب الجمهوري في تشكيل الحكومة، هو العودة إلى "تركيا القديمة" والتراجع عن الإصلاحات التي قام بها حزب العدالة والتنمية خلال سنوات حكمه للبلاد. والسؤال الذي يطرح نفسه: "هل يمكن أن يقبل حزب العدالة والتنمية بهذه الشروط؟".
قبول حزب العدالة والتنمية بشروط حزب الشعب الجمهوري يعني بداية النهاية له، لأن معظم المؤيدين لحزب العدالة والتنمية يرفضون تحالفه مع حزب الشعب الجمهوري في تشكيل الحكومة بأي حال، لعدم ثقتهم بحزب الشعب الجمهوري، إلا أن قادة حزب العدالة والتنمية لم يحسموا أمرهم بعد. وإن كانت تركيا تبدو متجهة نحو الانتخابات المبكرة، فإن الإعلان عن التوصل لحل وسط واتفاق يتم بموجبه تشكيل حكومة ائتلافية يشارك فيها حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري لن تكون مفاجأة كبيرة، في ظل الهجمات الإرهابية التي يرى محللون أنها تهدف إلى دفع حزب العدالة والتنمية إلى القبول بالمشاركة في تشكيل الحكومة مع حزب الشعب الجمهوري.