شهدت مدينة
تعز، مساء اليوم الأحد، احتفالات جماهيرية كبيرة، احتفاء بما حققته المقاومة الشعبية من انتصارات ميدانية خلال اليومين الماضين على مختلف الجبهات.
وعلى مدى ساعات متواصلة، جابت مواكب المحتفلين شوارع تعز بالسيارات، فيما غطت الألعاب النارية سماء المدينة بكثافة، وقد شوهد بعضها تطلق من "قلعة القاهرة" التاريخية، وهو أهم موقع استراتيجي مؤثر عسكريا تم تحريره اليوم من قبضة مليشيات
الحوثيين.
وحققت المقاومة الشعبية بمدينة تعز (وسط
اليمن)، خلال اليومين الماضيين، انتصارات ميدانية كبيرة، تكللت الأحد بالسيطرة على مواقع استراتيجية مهمة وسط المدينة وعلى أطرافها، بما فيها "قلعة القاهرة" التاريخية، ومبنى جهاز الأمن السياسي (الاستخبارات)، والمديريات كافة،الواقعة في قمة جبل صبر الاستراتيجي، فيما تواصل المقاومة الشعبية تقدمها في عدة جبهات واتجاهات.
وفيما كانت المعلومات، حتى ساعة كتابة هذا التقرير، تؤكد أن المقاومة تمكنت من فرض حصار مطبق على القصر الجمهوري ومقر قوات الأمن الخاصة شمال المدينة، رجحت مصادر قيادية ميدانية في المقاومة الشعبية، لـ"عربي21"، ألا يأتي صباح غد الاثنين إلا وقد تم تحرير الموقعين المهمين بالكامل.
ويأتي ذلك بعد يوم واحد على تطهير ما يسمى بـ"المربع الأمني"، وسط المدينة، حيث أعلنت المقاومة الشعبية، السبت، استعادتها عدة مقرات أمنية ومدنية، كانت تحت سيطرة مليشيات الحوثي وقوات الرئيس المخلوع
علي عبد الله صالح، طوال الأشهر الأربعة الماضية، على رأسها: مبنى ديوان محافظة تعز، ومقر إدارة الأمن، ومقر الدفاع المدني، وفرع البنك المركزي، ومنطقة "سوق الصميل" المحيطة بهذه المواقع، والمتحف الوطني، ومقر قيادة المحور العسكري في تعز، ونادي ضباط الشرطة، وقيادة الشرطة العسكرية، وقصر الرئيس المخلوع بمنطقة الجحملية.
وفي تصريحات خاصة لـ"عربي21"، أرجع رئيس المجلس العسكري للمقاومة الشعبية بتعز، العميد الركن صادق سرحان، الانتصارات الأخيرة، إلى خطة تحرك عسكرية محكمة ومعدة سلفا، تهدف، في بدايتها، إلى تطهير المدينة من تجمعات المليشيات الحوثية الرئيسية في الوسط وبعض الأطراف القريبة، منوها إلى أن المرحلة التالية من الخطة ستنتقل إلى تطهير واستعادة بقية المواقع الاستراتيجية المهمة في أطراف المدينة الخارجية ومداخلها الشرقية والغربية.
وتعد محافظة تعز (256 كيلومترا جنوب صنعاء)، إحدى أهم المحافظات اليمنية، من حيث الموقع الاستراتيجي والكثافة السكانية. فعلاوة على أن "مضيق باب المندب" الاستراتيجي الدولي، يتبعها جغرافيا وإداريا، فهي أيضا تعد بمنزلة البوابة الشمالية للمحافظات الجنوبية، من جهة محافظة عدن، العاصمة المؤقتة لليمن، وتفصل بينهما محافظة لحج المتشاركة معها بحدود جغرافية شاسعة تمتد على طول خاصرتها الجنوبية. ويتجاوز عدد سكان تعز الأربعة ملايين نسمة، ما يجعلها بالمرتبة الثانية من حيث كثافة عدد السكان في اليمن بعد محافظة إب المجاورة لها.
وتعد قلعة القاهرة التي سيطرت عليها لجان المقاومة الشعبية؛ من أهم المواقع الاستراتيجية أهمية في المدينة، حيث تطل على المدينة من جهتها الجنوبية، وظلت تحت سيطرة مليشيات الحوثيين، منذ بداية المواجهات المسلحة التي اندلعت بالمحافظة مطلع نيسان/ إبريل الماضي.
وترتفع القلعة يرجع المؤرخون تاريخ بنائها إلى الدولة الصليحية في منتصف القرن السادس الهجري، نحو 1500 متر عن سطح البحر، الأمر الذي جعل المليشيات تستخدمها كموقع عسكري، لاستهداف مواقع المقاومة وحاضنتها الاجتماعية بكافة أنواع القذائف ورصاص القناصة، برغم الدعوات المتوالية، داخليا وخارجيا، بعدم إقحام هذا المعلم التاريخي المهم في الصراع المسلح، من أي طرف كان.
ولم تكن قد مضت سوى ساعات قليلة على تطهير القلعة، حتى أعلنت المقاومة الشعبية في تعز تمكنها من تحرير منطقة "صينة"، مع مبنى فرع جهاز الأمن السياسي بالمحافظة (الاستخبارات). حيث شكل، هو الآخر، أحد أهم المواقع الاستراتيجية التي شكلت إزعاجا متواصلا لسكان المدينة والمقاومة، من حيث إنه يقع على تلة مرتفعة تطل على المدينة من جهتها الجنوبية الغربية، واستخدمته المليشيات لتمركز القناصة وقصف المدينة بمختلف القذائف.
ولم ينقشع نهار الأحد، حتى أعلنت المقاومة الشعبية تمكن رجالها من استكمال تطهير مديريات جبل "صبر" الثلاث كافة: المسراخ، مشرعة وحدنان، وصبر الموادم، بعد أيام من اشتداد المعارك فيها.
ويعد جبل "صبر" أعلى قمة جبلية بتعز، وأحد أهم وأعلى القمم الجبلية في اليمن عموما، حيث يقدر ارتفاعه بحوالي 3070 مترا عن سطح البحر، ويغطي مساحة كبيرة من الحدود الجنوبية للمدينة. ويدخل ضمن ذلك استعادة وتطهير موقع جبل "العروس" الاستراتيجي الواقع في إطار مديرية "صبر الموادم". وطوال الأشهر الأربعة الماضية، شكل هذا الموقع الاستراتيجي أحد بؤر الصراع بين المقاومة والمليشيات، كونه يطل أيضا، ليس فقط على معظم مديريات المحافظة الأخرى، بل وعلى محافظتي لحج وعدن، جنوب اليمن، أيضا.
وبحسب العميد سرحان، في حديثه لـ"عربي21"، فإن خطة استعادة المدينة أعدت على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، بهدف تحرير المواقع الرئيسية داخل المدينة من سيطرة مليشيات صالح والحوثي، إلى جانب بعض المواقع في الأطراف القريبة، قبل الانتقال إلى تحرير وتطهير بقية الأطراف الرئيسية، وصولا إلى تأمين حدود ومداخل المدينة كافة.
وأوضح العميد سرحان أن المجلس العسكري كان قد اضطر إلى إحداث بعض التعديلات البسيطة على مسار الخطة، ضمنها استثناءات بسيطة، جاءت بناء على معلومات ميدانية، مشيرا بهذا الخصوص إلى ما حدث قبل أسابيع في إطار جبهة "الضباب"، جنوب غرب المدينة، بقيادة العميد يوسف الشراجي، عضو المجلس العسكري للمقاومة، الذي حقق، بحسب سرحان، إنجازات ميدانية كبيرة، ساعدت على استنزاف المليشيات الحوثية والتسريع في انهيارها.
وفي الوقت الذي لم ينس فيه رئيس المجلس العسكري للمقاومة توجيه شكره لقوات التحالف العربي بقيادة المملكة السعودية، فقد أهدى هذه "الانتصارات الكبيرة" لكل أبناء تعز ومشايخها "الذين لم يبخلوا على المقاومة بالدعم والمناصرة والمشاركة"، منوها إلى أن "هذه الحاضنة الاجتماعية الكبيرة، المحبة للمقاومة والطاردة للمليشيات الدخيلة، كان لها الفضل الأكبر في تحقيق هذه الإنجازات"، حسب تعبيره.