علقت صحيفة "الغارديان" في افتتاحيتها على الحكم الصادر ضد صحافيي
الجزيرة الثلاثة يوم السبت، قائلة إن التشويه الذي يحول حكم القانون إلى صورة زائفة من القانون، وتحول فيه المحاكم إلى أداة للانتقام والقمع أمر شائع لدى العديد من الأنظمة السياسية في العالم، ولكن الرئيس
المصري عبد الفتاح السيسي يعد من أسوأ المذنبين في هذا المجال.
وتشير الافتتاحية إلى أنه مرة تلو الأخرى قامت المحاكم في ظل حكم السيسي بإصدار أحكام قاسية وغريبة، وتقوم على أدلة تافهة، وهي أدلة كانت ستقود في دولة أخرى ليس فقط إلى إلغاء إجراءات
المحاكمة، بل إلى عزل من تقدموا بها.
وتعتقد الصحيفة أن الأحكام الصادرة والغريبة في طبيعتها تنبع من أن المؤسسة القضائية التي تم تعيينها هي معادية بطبعها للإخوان المسلمين، وبقدر ليس أقل كثيرا هي معادية للمثقفين الليبراليين المصريين. وهي أيضا نابعة، كما تقول، من الفكر الخبيث الذي يحدد وظيفة المحكمة بمحاكمة وعقاب من ترى فيهم الدولة أعداء.
وتساءلت الافتتاحية، التي ترجمتها "
عربي21"، عما إذا قام أحد الأشخاص نهاية الأسبوع برفع سماعة الهاتف، وأمر القاضي بإصدار الحكم على صحافيي الجزيرة لمدة ثلاثة أعوام؟، وتجيب: "لا نعرف، لكن السجلات تشير إلى وجود تلاعب كبير في الأدلة. وقد يكون السيسي قد ندم على المحاكمة الأولى، التي كانت مهزلة، وتركت أثرا على الرأي العام الأجنبي. فقد حاول التقليل من أثر القضية في مرحلة الاستئناف، برفض معظم الأدلة، وتخفيض مدة الحكم الصادرة بحق الصحافيين، وهي ما بين 7 و10 أعوام".
وترى الصحيفة أنه انطلاقا من رغبة السيسي بتجنب التداعيات الدولية الجديدة للقضية، قد يلجأ إلى إصدار عفو عام عن الصحافيين الثلاثة.. لافتة إلى أن ما لا يعرفه السيسي أن هذا الأمر يعقد القضية أكثر. فالعدل لا يتحقق من خلال الأحكام التي تصدر في وجه الأدلة، أو يتم التوصل إليه في غياب الأدلة. ولا يمكن تحقيقه من خلال عملية قضائية تهدف إلى إرضاء الحلفاء المؤيدين.
وتجد الافتتاحية أن الضحية الحقيقية في كلا الحالتين هي الحقيقة، مبينة أن الاتهامات الموجهة للصحافيين لا تقوم على أساس، وأن هذا الحكم، وإن كان أخف من الأول، فإنه لا يزال عارا. ومن أجل إضافة إهانة إلى الجرح الذي تسبب به الحكم، فقد تم استدعاء السفير البريطاني وتوبيخه لتصريحاته التي أطلقها خارج المحكمة. وقال وزارة الخارجية المصرية إن تصريحاته "غير مقبولة وتعد تدخلا" في الشأن المصري.
وتذهب الصحيفة إلى أن الجميع يرغبون بأن يتم إسقاط الأحكام عن الصحافيين اللذين عادا إلى السجن وعن بيتر غريستي، الذي رحل إلى أستراليا بداية هذا العام. مستدركة بأن السؤال المهم هو ما الذي سيحدث لمن يتهمون ظلما، ومن ليس لديهم أصدقاء في الخارج أو جوازات سفر أجنبية. مشيرة إلى أن هناك على الأقل 23 صحافيا مصريا يقبعون في السجون، بالإضافة إلى ثلاث راقصات بتهمة "التحريض على الفجور"، وبطبيعة الحال، يوجد الآلاف من الشباب المعتقلين بسبب انتمائهم لجماعة الإخوان المسلمين.
وتتساءل الافتتاحية عما إذا كان هؤلاء سيظلون محل ملاحقة أتباع السيسي، وفي حالة بالغ هؤلاء الأتباع في حماسهم، فهل سيقوم الرئيس بوضع حد لهم؟ وتجد أنه قد يكون أو لا يكون مسؤولا عن أخطاء القضاء، لكنه مسؤول في النهاية عن المؤسسة القضائية التي ملأها بالمؤيدين له، والتي تتسم بالتحيز والنزعة الانتقامية، رغم وجود بعض الأصوات المستقلة.
وتلفت الصحيفة إلى أن السيسي قدم قوة جديدة لهذه المؤسسة المشكوك في نزاهتها، من خلال قانون مكافحة الإرهاب، الذي يمنح قوات الأمن الحصانة من المحاكمة، ويوسع مستويات المراقبة، ويجعل الصحافيين الذين يتساءلون عن صحة الأرقام المقدمة متهمين وعرضة للإدانة والغرامة.
وتذكر الافتتاحية أن الدول الغربية تحتج، وإن بصوت منخفض، على الأحكام القضائية الظالمة، مستدركة بأن النظام هو الفاسد، وهذا النظام يعلم الطريقة التي تسير فيها مصر تحت حكم السيسي، فتجريم المعارضة ووضع المعارضة السلمية والعنيفة في سلة واحدة، والتأكيد على الخيار العسكري كلها لا تبشر بخير.
وتخلص "الغارديان" إلى أنه في حالة قبل الرئيس المصري دعوة ديفيد كاميرون لزيارة لندن، فإنه يجب ألا تضيع فرصة الحديث معه بقوة، ولو من خلال المحادثات الخاصة. والبديل عن هذا هو استمرار "عدالة الهاتف"، كما وصفها المعارض الروسي ميخائل كودوكسفي عندما حكمت عليه محكمة في موسكو بالسجن لعدة سنوات. وعلق ملخصا جوهر العدالة الروسية بالقول إنها "عدالة الهاتف"، حيث قال عام 2010: "من يواجهون النظام لا يوجد حق لهم بالكامل، مع أن الحقوق مضمنة في القانون، إلا أنه لا يتم الدفاع عنها في المحكمة؛ لأن المحاكم إما خائفة من النظام أو أنها جزء منه".