اعتبر النائب السابق لأول رئيس وزراء مصري اختاره العسكر بعد الانقلاب، زياد بهاء الدين، أن
قانون التظاهر، الذي أصدره رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، قد سقط فعليا، وأطلقت عليه رصاص الرحمة، على حد وصفه.
وقال بهاء الدين، في مقال له نشرته صحيفة "الشروق"، الثلاثاء، تحت عنوان: "متى سقط قانون التظاهر؟" إن "القانون يسقط فعليا وواقعيا حينما يفضي تطبيقه إلى آثار ونتائج بالغة التناقض إلى الحد الذى يجعل الناس تعتبره متعارضا مع منطق العدالة".
وأشار إلى أن قانون منع التظاهر (رقم 107 لسنة 2013) من هذا النوع الذي فقد مصداقيته تدريجيا حتى جاءت مظاهرات موظفي وزارة المالية وأمناء الشرطة منذ أسبوعين لتطلق عليه رصاصة الرحمة بعدما وقفت
الدولة وأجهزتها صامتة حيال آلاف المتظاهرين.
واعتبر أن هذا "تناقض صارخ من الدولة مع صرامتها في تطبيق القانون منذ بضعة أشهر على شباب وفتيات طالبوا بحرية التعبير، والاحتجاج السلمي".
وزاد من غرابة موقف الدولة وتناقضه -بحسب بهاء الدين- أن بعض المسؤولين حاولوا تبرير هذا الكيل بمكيالين بأن ما قام به الموظفون وأمناء الشرطة يدخل في بند "الوقفات الاحتجاجية"، التي لا ينطبق عليها القانون.
وهنا نبه الكاتب إلى أنه : "إن كان السكوت أمام تظاهر الموظفين وأمناء الشرطة قد عبر عن تناقض في سياسة الدولة، فإن سقوط القانون لم يأت مرة واحدة، بل كان نتيجة تراكم تطورات، وأحداث كثيرة".
وفند بهاء الدين أسباب صدور القانون، مشيرا إلى أنه استند منذ البداية إلى ثلاثة افتراضات غير حقيقية: أولا أنه مطلوب من أجل وقف المظاهرات العنيفة، وأعمال التخريب والترويع، بينما الحقيقة أن القانون يمنع التظاهر بشكل عام، ولو كان سلميا، وأن الدولة كان، ومازال، في جعبتها من القوانين الجنائية ما يمكنها من مواجهة العنف والتخريب دون حاجة لمثل هذا القانون.
والافتراض الثاني -وفق الكاتب- أنه ضروري لكي ينتظم النشاط الاقتصادي، ويعود الاستثمار الأجنبي، ويخرج البلد من أزمته الاقتصادية، بينما سبب استمرار الأزمة هو عدم وضوح التوجه الاقتصادي للدولة، واضطراب السياسات الضريبية والنقدية.
أما الإفتراض الثالث -بحسب بهاء الدين- فهو أن الدول الديمقراطية جميعا تنظم حق التظاهر، وهو قول صحيح، لكنه يتجاهل أن هذا التنظيم يرتبط بتوافر ضمانات أساسية على رأسها آليات سريعة للتظلم من قرارات الدولة، وحماية لنشاط المجتمع المدني، ولحرية التعبير، وشفافية في المعلومات.
وأشار إلى أن الأحداث توالت بعد ذلك ما بين: استمرار وتصاعد العنف والإرهاب برغم توقف تظاهرات الشباب السلمية، وخروج الشباب من
المشهد، وعزوفهم عن العمل العام، والمشاركة السياسية، وصدور أحكام بحبس فتيان وفتيات لمجرد مطالبتهم بحق التظاهر السلمي، ومقتل الشهيدة شيماء الصباغ في مطلع العام خلال مشاركتها في مسيرة رمزية لتكريم شهداء الثورة، وتشجيع الدولة للمواطنين على النزول إلى الشوارع والميادين بالمخالفة للقانون حينما يتعلق الأمر بمناسبة أو احتفال يحظى برعايتها، وأخيرا: السكوت أمام تظاهر الآلاف من الموظفين وأمناء الشرطة، في تعبير صارخ عن الانتقائية في تطبيق القانون.
وخلص الكاتب إلى أن: "كل هذا كشف حقيقة أن قانون منع التظاهر لم يكن مقصودا به منذ البداية سوى تقييد حرية التعبير والاحتجاج السلمي في ظروف كان البلد فيها ــ مع غياب برلمان ومجالس محلية وأحزاب قوية ــ في أمس الحاجة لقنوات للتعبير عن مختلف وجهات النظر في المجتمع بدلا من انسحابها من الساحة أو اتجاهها إلى بدائل أكثر عنفا، وأنه لم يحقق سوى شق الصف الوطني الذى كان متحدا وراء رفض الحكم الديني، وأن تمسك جهات معينة في الدولة به كان بغرض إسكات الصوت الاحتجاجى لشباب ثورتي كانون الثاني/يناير وحزيران/ يونيو، وتصفية الحساب معهم.
وتساءل زياد بهاء الدين: هل أسهم قانون منع التظاهر السلمي في محاربة الإرهاب أو تحقيق التنمية الاقتصادية أو إطلاق طاقات العمل والإنتاج؟ أم أنه أهدر حماس الشباب ورغبتهم في المشاركة والتغيير؟ وشجع الرجوع إلى ثقافة الرأى الواحد، وتخوين أصوات المعارضة الوطنية؟
وذهب إلى أن الدولة تعتبر أن هيبتها تعني تمسكها بالقوانين التى أصدرتها حتى لو باتت فاقدة للمصداقية، وأن التراجع عنها تعبير عن الضعف والتردد.
واستدرك: "لكن في كل الأحوال فإن الشبان والشابات القابعين في السجون -لأن كل جريمتهم كانت التظاهر السلمي دفاعا عن حق التظاهر السلمي- يعرفون اليوم أنهم حققوا خطوة كبيرة نحو تحرير المجتمع ــولو ضمنياــ من قانون جائر.
واختتم بهاء الدين مقاله بالتساؤل: هل تنصت الدولة لصوت العقل والمنطق، وتمنحهم الحرية التى استحقوها، وتعيد النظر في قانون ما كان يجب أن يصدر من البداية؟ أم تستمر في تجاهل السقوط الفعلي لقانون منع التظاهر؟.
و"زياد بهاء الدين" اقتصادي وقانوني مصري، وهو نجل الكاتب أحمد بهاء الدين، ومن مواليد محافظة أسيوط، وحاصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة، وبكالوريوس الاقتصاد من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وكان عضو مجلس الشعب المصري المنحل لعام 2011.
وهو كذلك عضو الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، الذي يعد أحد الأحزاب التي أسهمت في تظاهرات وتحالف 30 حزيران/ يونيو ضد الإسلاميين.
وكان بهاء الدين اختفى من المشهد السياسي في مصر فجأة عقب تقديمه استقالته يوم 30 كانون الثاني/ يناير 2013م، من منصبه كنائب لرئيس مجلس الوزراء ووزير للتعاون الدولي في حكومة حازم الببلاوي، وهو أول رئيس وزراء عينه العسكر بعد انقلابهم في 3 تموز/ يوليو 2013، على الرئيس الشرعي محمد مرسي.