"أنا ابن "
فتح" ما هتفت لغيرها ولجيشها المقدام صانع عودتي"، مطلع أغنية فلسطينية تربت عليها أجيال متعاقبة عندما كان خيار المقاومة والكفاح المسلح هو خيار حركة "فتح" لتحرير كامل فلسطين المحتلة، بينما اليوم "مزقت" تلك الحركة التاريخية بفعل دخولها برنامج تسوية مع الاحتلال الإسرائيلي، وأصبحت تعاني
انقسامات داخلية نتيجة ولاء بعض أعضائها "لشخص هنا أوشخص هناك" بحسب مختص فلسطيني.
الولاء لشخص
ما جرى ظهر اليوم من عراك شديد في محافظة خانيونس جنوب قطاع غزة، بين مؤيدي رئيس السلطة الفلسطينية، محمود
عباس، والقيادي المفصول من "فتح"، النائب محمد
دحلان، أوقع العديد من الإصابات بين أعضاء الحركة خلال مؤتمر انتخابي داخلي لـ"فتح" يشي بالواقع الصعب الذي تعيشه الحركة صاحبة الطلقة الأولى.
الكاتب والمختص في الشأن الفلسطيني فايز أبو شمالة، يرى أن ما يميز حركة "فتح" عن باقي التنظيمات الأيديولوجية والسياسية في المنطقة أنها "تتبع أشخاصا، وليس لديها برنامج سياسي فكري أيديولوجي ينظم أعضاءها"، معتبرا أن الناظم الوحيد لمعظم الأعضاء المنتمين لـ"فتح" هو "الولاء لشخص هنا وشخص هناك"، كما قال.
وأكد لـ"
عربي21"، أن "التنافر بين أعضاء "فتح" يسهم في قتل التنظيم"، موضحا أن "التنافر" ظاهرة موجوده في "فتح"؛ لكنهم قديما كانوا يلتقون على "خطوط عريضة؛ أما اليوم فإنهم يتنافرون ويتباعدون".
وما جرى اليوم في محافظة خان يونس، بحسب الكاتب هو "جزء من التركيبة الشخصية لحركة "فتح"، وهذا الحادث سيتكرر في أكثر من مكان"، موضحا أن ذلك يأتي في إطار "المنافسة على الولاء والحضور والسلطة والنفوذ".
برنامج التسوية
ويرجع الكاتب تكرار مثل تلك الأحداث داخل حركة "فتح"، لـ"غياب إستراتيجية وأيديولوجية وبرنامج سياسي موحد يلتقي عليه ويدافع عنه الأعضاء".
وحول تداعيات المشاكل الداخلية لدى حركة "فتح" التي تطفو في كثير من الأحيان على السطح، يعتقد المختص في الشأن الفلسطيني، أنها ستؤدي إلى "مزيد من التمزق والتشتت في الولاء"، موضحا أن "وجود "فتح" قوية موحدة على برنامج سياسي وطني هو قوة للحركة الوطنية الفلسطينية، والتي قد نحتاج إليها في مرحلة من مراحل التحرير الوطني".
وقال أبو شمالة: "وحدة حركة "فتح" وعودتها قرين بعودتها لبرنامجها الأول؛ وهو برنامج المقاومة والكفاح المسلح لتحرير كامل تراب فلسطين المحتلة، وليس التسابق على الامتيازات والمنافع ورضا الأشخاص"، مشيرا إلى بعض الأغاني الثورية التي خرجت من رحم المعاناة الفلسطينية، وذكر منها "أنا ابن "فتح" ما هتفت لغيرها ولجيشها المقدام صانع عودتي".
وتساءل: "أين جيش "فتح" الذي يجتمع في إطاره كل شباب ورجال "فتح" ؟!"؛ لقد مزقته كل اتفاقيات الاستسلام والإذعان مع العدو الصهيوني"، معتبرا أن كل ما يجري داخل "فتح" من انقسامات داخلية هو "نتيجة دخول تلك الحركة برنامج التسوية مع الاحتلال الإسرائيلي".
تنظيم منفتح
وتعليقا على الحادثة، أكد القيادي وعضو المجلس الثوري لحركة "فتح" أسامة الفرا، أن ما حصل "لا يليق بهذه الحركة ولا بهذا المؤتمر الذي يحمل اسم الفريق عبد الرازق المجايدة (أحد قيادات "فتح" في خان يونس)"، مشددا في حديثه الخاص لـ"
عربي21" على ضرورة أن تعمل قيادة إقليم خان يونس بعد انتهاء هذه الانتخابات على "معالجة هذه التداعيات ولم حركة "فتح" من جديد".
وأوضح الفرا أن حركته "تشهد انقساما هرميا، يبدأ من الخلية الأولى في الحركة وينعكس بطبيعة الحال على القواعد التنظيمية"، مؤكدا أن "معالجة الأمر يتطلب بالأساس جهدا كبيرا ليس فقط من القواعد التنظيمية، وإنما من الخلية الأولى، وتحديدا اللجنة المركزية لـ"فتح"، من أجل وقف هذه التداعيات والولاءات الشخصية لهذا العضو أو ذاك".
ويرى عضو المجلس الثوري، أن التباين في بعض الأفكار والآراء لدى أعضاء وقيادات "فتح"، هو "ظاهرة صحية تتمتع بها الحركة، لأنها ليست تنظيما حديديا مغلقا على ذاته وإنما تنظيم منفتح على الجميع".
وقال: "مثل هذه الأمور ليست غريبة على "فتح" لكن الغريب أن يكون لهذه الأمور تداعيات، وبالتالي المطلوب من الحركة وقياداتها والهيكل التنظيمي المختلف، أن تعمل على إعادة اللحمة للحركة ونبذ الخلافات وبالتحديد تلك التي برزت نتيجة الولاءات الشخصية".