على المرء أن يسجل الرسوب العربي الإسلامي في اختبار التضامن، في التعامل مع أزمة اللاجئين السوريين في أوروبا، إذ لم تعلن دولة عربية أو إسلامية واحدة أن أولي الأرحام، العرب والمسلمين أولى بإخوانهم السوريين. (نشير إلى أن بعض الدول الخليجية باتت تحتسب كل من يقيم لديها من السوريين لاجئاَ رغم دخوله بتأشيرة نظامية) ومع ذلك فعلينا ألا نغفل عن بعض الأمور التي قد تضيع في حمى الصراخ الإعلامي، والتباكي المفتعل في كثير من الأحيان، ومحاولات التضليل في أحيان أخرى للتغطية عما هو أهم وأخطر.
بداية لا بد من الانتباه إلى أن معظم من قدموا إلى أوروبا، اختاروا أوروبا، ولم يختاروا أي بلد عربي آخر، بل وحددوا خياراتهم بالبلدان الأوروبية التي يقصدونها بعينها، وهي ألمانيا والسويد مما يشير إلى أن بلدان العروبة والإسلام ليست وجهتهم المفضلة التي اختاروها لأنفسهم، ولأسرهم وأبنائهم، وهؤلاء جلّهم ممن استطاع أن يجمع ما معدله 5 آلاف دولار لتغطية تكلفة رحلة الشخص الواحد، وهو مبلغ لا يتوفر إلا لفئة محدودة من السوريين أغلبها من أبناء الطبقة المتوسطة، مما سيطرح تساؤلا حقيقيا حول مصير من تبقى خلفهم في سوريا، وأجبرتهم ظروفهم الاقتصادية الاجتماعية أن يطحنوا ألامهم ليخبزوها بنار المعاناة، لتنضج مزيدا من القهر والألم، دون أن يلتفت أحد لإيجاد حل مناسب لهم، بل على العكس من ذلك يتخلى العالم عن تأمين الطعام والشراب لهم عندما أعلن برنامج الأغذية العالمي قبل أيام وقف المساعدات الغذائية لنحو 230 ألف لاجئ سوري خارج المخيمات في الأردن، بسبب نقص التمويل، وذلك كله لا يقلل من وجود تقاعس أوروبي في معالجة أزمة اللاجئين السوريين الذين وصلوا إليهم كما أننا لا نقلل من حجم المعاناة والألم الذي يكابده اللاجئون السوريون في أوروبا، ومشروعية ما يقومون به في اللجوء هربا من جحيم المعارك إلى مستقبل آمن لهم ولأسرهم.
إن علينا أن لا نقلل من مخاطر التغيير الديمغرافي في سوريا المستقبل عندما نرى أن غالبية اللاجئين من أبناء طائفة واحدة فلا مناص هنا من التحذير من شبح التفريغ الطائفي الذي قد ينشأ بتهجير هؤلاء طوعا أو قسرا، فعندما يكون 4 ملايين سوري خارج بلادهم، ومن بين هؤلاء قرابة نصف مليون لاجئ سوري قد وفدوا إلى أوروبا لا نحتاج إلى التحليل لندرك حجم التغيير الذي قد يحدث إن لم يعد هؤلاء إلى وطنهم، ولا نبالغ أن إيران والنظام السوري، وحتى روسيا باتوا أقرب إلى فرض حل تقسيمي لسوريا على أساس طائفي بعد اقتناعهم أن سوريا لن تعود كما كانت، وأن ما خسره الأسد من أراض لن يستطيع استعادته، ويكفي أن نضرب مثالا واحدا على ذلك بحي جوبر الدمشقي ذي الكيلو متر المربع الواحد الذي تحول إلى أيقونة عسكرية للثوار بصموده الأسطوري، لأكثر من ثلاث سنوات. وهكذا فعندما تخلو سوريا من معظم سكانها المنتفضين سيسهل عليهم تنفيذ مخططهم الاستئصالي، وإقامة "دولة الأسد أو لا أحد".
ويبرز المؤشر الأخطر في أزمة اللاجئين السوريين بأوروبا في كيفية التعاطي الغربي مع الحل فمعظم المواقف الغربية تغافلت عن النظام السوري، وتناست أنه لب المشكلة، ومنبعها والمتسبب بموجات اللجوء والنزوح، ونسيت أن معظم اللاجئين لا يأتون من مناطق سيطرة تنظيم الدولة المتطرف بل يهربون من سطوة النظام الأمنية في المناطق التي مازالت تخضع لسيطرته، أو هربا من براميله التي تلقيها طائراته على رؤوسهم في المناطق التي تخضع للثوار (1591 برميل قتلت 115 خلال الشهر الماضي فقط حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان). تلك المعالجة الخاطئة والتسديد خارج الهدف تجلى في الموقفين البريطاني والفرنسي، باستهداف التنظيم حلا لمشلكة اللاجئين، ونسيا الفشل الغربي في مواجهة هذا التنظيم من قبل التحالف الدولي في سوريا والعراق حتى الآن. فماذا سيستفيد التحالف عندما تشارك بريطانيا في سوريا وماذا سيخسر التنظيم الذي مازال يكسب مزيدا من الأراضي.
ومما يؤكد أن الغرب ما زال بعيدا عن الحسم في المشاركة بحل نهائي للأزمة حديثه عن استقبال لاجئين خلال سنوات عديدة قادمة؛ فبريطانيا تتحدث عن استقبال 20 ألف لاجئ خلال السنوات الخمسة القادمة، وفرنسا ستستقبل 24 ألف لاجئ في السنتين المقبلتين. مما يوحي أن الغرب انتهج مقاربة التكيف مع المشكلة ومعالجة آثارها دون السعي إلى حلها وإنهاء مسبباتها. ولا شك أن ذلك يزيد من إحباط السوريين الطامحين إلى حل جذري يساعدهم في التوصل إليه، من اعتبروا أنفسهم أصدقاء للشعب السوري (هل تذكرون آخر اجتماع لمجموعة أصدقاء الشعب السوري؟؟)
المقاربة الحقيقية لإنهاء الأزمة مازالت بعيدة ولا يبدو أن الغرب يسعى حتى لحل جزئي يخفف من معاناة اللاجئين بتوفير المنطقة الآمنة التي بحت أصوات السوريين، ومعهم أردوغان بالمطالبة بها، دون جدوى بسبب الفيتو الأمريكي على تلك المنطقة، مما يثير علامة استفهام كبيرة حول جديتهم في معالجة أزمة اللاجئين السوريين في سياق المحنة السورية التي تحولت إلى أزمة دولية جذورها في سوريا وفروعها في كل مكان. وستدرك أوروبا أنها لا تستطيع أن تبقى متفرجة على هذه الحرب الطاحنة في جوارها الأقرب إلى مالا نهاية. فهل ستمحو من سردية تعاملها مع الأزمة مصطلحات القلق، وتأخذ بزمام المبادرة عندما تتهاوى حدودها أمام الباحثين عن الأمان الذي فقدوه في أوطانهم، وتكون قوافل اللاجئين السوريين بذلك الضارة على المدى المنظور والنافعة على مدى نتمنى ألا يطول؟
1
شارك
التعليقات (1)
وعزية فاطمة
الثلاثاء، 15-09-201512:31 م
أعتقد أن سياسة التماطل التي ينتهجها المجتمع الدولي في شخص أمريكا و دول أوروبا كقطب واحد تتقاطع مصالحهم من جهة و روسيا و الصين من جهة ثانية كقطب معادي للأول ماهي إلا استراتيجية مدروسة لتفريغ سوريا من سكانها كهدف أساسي يسعو من خلاله إلى تحقيق مصالحهم المتمثلة في بيع أسلحتهم و الاستحواذ على ثروات البلاد وصولا إلى استنزاف الشعب السوري و تهجيره ، هذا التفريغ سيكون في صالح المشروع الصهيوني بالدرجة الأولى.