لم يكن من السهل انعقاد المجلس الوطني
الفلسطيني في رام الله بدعوة من رئيس منظمة التحرير الفلسطينية
محمود عباس، فالأصوات الرافضة داخل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وداخل المجلس الوطني نفسه، ورفض بعض فصائل المنظمة مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركتي حماس والجهاد وعدد واسع من الشخصيات الوطنية المستقلة أمثال د. أنيس القاسم ود. سلمان أبو ستة، وتردّد رئيس المجلس الوطني سليم الزعنون (أبو الأديب)، إضافة طبعا إلى رفض الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني.. كل ذلك جعل دعوة محمود عباس لانعقاد الدورة 22 للمجلس أمرا بالغ الصعوبة، بحيث صار يستحيل على عباس –رغم أنه مشهور بعناده- أن يصارع كل تلك القوى، وأن يمضي في الدعوة.
اختار عباس القرار الذي يحفظ له جزءا من ماء وجهه، وأن يتراجع، بعدما أجبر على التراجع، وبعدما أمضى أسبوعين في تقديم الإغراءات لعدد من المتخوفين، ومنهم سليم الزعنون (أبو الأديب) الذي خاف على موقعه في رئاسة المجلس، فطمأنه عباس أنه يؤيد بقاءه في موقعه.
يُعتبر قرار تأجيل انعقاد الدورة 22 للمجلس الوطني الفلسطيني التي كانت مقررة في 14-15 أيلول/سبتمبر فشلاً ذريعاً لسياسة محمود عباس، وسقوطاً سياسياً مدوياً له، وهزيمة قاسية أمام خصومه داخل وخارج منظمة التحرير.
وحتى ندقق في مستوى الخسارة، يجب أن نتذكر الأهداف –أو المصالح- التي أراد عباس تمريرها في ليل انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني.
حين دعا عباس المجلس الوطني للانعقاد، فقد كان يحاول تحقيق ما يلي: تعزيز سلطته على منظمة التحرير الفلسطينية، تركيب اللجنة التنفيذية وفق الولاء له، ملء مقاعد المجلس الوطني بأنصاره وداعميه بعدما بلغ عدد المتوفين من المجلس 146 عضواً من أصل 450، الإعداد للسيطرة على مؤتمر حركة
فتح القادم المقرّر عقده في شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، الحصول على تفويض سياسي يدعم برنامجه، التحريض على قوى المقاومة ومحاولة الضغط على حركة حماس وقطاع غزة، توجيه رسالة إيجابية للإسرائيليين لمواصلة التسوية، الإمساك أكثر بالقرار الفلسطيني، إدخال عدد من مساعديه وأبنائه والقيادات الفلسطينية المؤيدة له إلى المجلس الوطني واللجنة التنفيذية، والتخلص من خصومه.
مارس أبو مازن جميع وسائل الإغراء المالي والسياسي، ووعد المتحفظين والمعارضين بمناصب ومواقع، لكن كل محاولاته فشلت، حتى أنه لم يستطع إقناع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي قررت المقاطعة، والمعلوم أن الجبهة كانت دائماً رافعة في مثل هذه الأحداث، وهي تجاوبت مع كل دعوات ياسر عرفات السابقة، لكنها اليوم تعاملت بسلبية مع دعوة عباس.
إن تأجيل انعقاد المجلس الوطني إلى أجل غير محدّد، يعني سقوط محاولات عباس الإمساك أكثر بمنظمة التحرير، وتالياً حركة فتح، ويعني فشل هجمة كان سيشنّها على حماس وقطاع غزة، ويعني فشله في تجديد برنامجه السياسي، ويعني رفضاً فلسطينياً واسعاً له بسبب تعطيله معالجة الانقسام ودعوة القيادة الفلسطينية الموحدة للاجتماع، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، ومعالجة قضايا الخلاف الداخلي.
إن فشل عباس في دعوة المجلس الوطني الفلسطيني هو دليل على تفرّده بالقرار، وتجاوزه للوائح والأنظمة والقوانين، ومصادرته لدور المؤسسات، واستخدامه لنهج الولاء الشخصي، وهو دليل على غياب المشروع السياسي الشامل، والرؤية الاستراتيجية الوطنية، وتفضيله مصالحه الشخصية والمالية والعائلية.
إن محمود عباس لم يدع المجلس الوطني الفلسطيني للانعقاد لبحث تطورات القضية الفلسطينية، والقدس والأقصى، والممارسات الصهيونية، وحصار غزة، وأوضاع الضفة الغربية، ومستقبل اللاجئين، ومعاناة مخيم اليرموك ومخيم عين الحلوة، والمصالحة الفلسطينية وتوحيد البيت الفلسطيني، ومعالجة الانقسام والخلل في الإدارة.
وهذا يدل على أن عباس بعيد كل البعد عن الهموم الوطنية، وهو شخص غير مؤهل للقيادة، وتغيب عنده الروح الوطنية الجامعة، وهو عنصر أزمة وتوتّر وليس عامل وفاق.
وبالتالي فإن تنحّيه أو استقالته هي جزء من أجل إصلاح الوضع الفلسطيني.