ربما لم تجد دولة في تاريخها الحديث تسلط عليها نخبة فاسدة وسلطة متجبرة كما حدث في
مصر، فقد ضرب
الفساد كل أركان الدولة تقريبا من أعلى هرم السلطة حتى قاعها. فالكشف عن قضايا الفساد الأخيرة ضرورة جديدة لمد وتجميل نظام الحكم العسكري في مصر، فمما لا يدع مجالا للشك أن مؤهلات أي قيادة تتولى أي إدارة من إدارات الحكم في مصر يشترط أن تكون فاسدة حتى تستطيع أن تظل في مواقع القيادة وقد تبين ذلك في اختيار رئيس الوزراء الجديد الذي كتبنا عنه سابقا في صفقات الغاز التي أهدرت حقوق مصر والمصريين في حياة كريمة واستنزفت مواردها بشكل لم يسبق له مثيل كما حدث في بيع القطاع العام في مصر في تاريخ مصر الحديث.
وربما يصاب المتابع بالصدمة من هول ما يجرى في مصر، فعميلة القبض على حمدي الفخراني وما صرح به محافظ المنيا أن حمدي الفخراني تسبب في رفع قضايا دولية على مصر في الهيئات الدولية، ومن هنا فإن الحكم العسكري أصبح يخشى تأثير ذلك على المناخ الاستثماري في مصر، فبمقدور أي مستثمر مصري يحمل أي جنسية أجنبية أن يرفع قضايا أمام المحاكم الدولية وتغريم مصر ملايين الدولارات كما حدث في قضية وجيه سياج في أراضي سيناء.
فالآن مصر أصبحت تدرس في ماكينة النظام الاقتصادي العالمي فأصبح النظام القضائي المصري لا يمثل أي إلزام يذكر للمستثمر الأجنبي في مصر، ويكون القانون الدولي أعلى في سلطته من القضاء المصري. فبدون أدنى شك يستطيع أي مستثمر أجنبي أن يفوز في أي منازعات دولية طالما ظل تضارب القوانين والتخلف الإداري في مصر.
والعجيب في الأمر أن جماعة الإخوان المسلمين خلال فترة حكمهم التي لم تتجاوز العام الواحد لم يقدم واحد منهم في قضية فساد واحدة في طول البلاد وعرضها، فلم تستطع سلطات
الانقلاب أن تثبت حالة واحدة رغم أنه ثبت للقاصي والداني أن كل أعضاء الجماعة كانوا تحت أعين أجهزة المخابرات على مدار الساعة، بل إن جماعة الإخوان رغم العراقيل التي وضعت أمامها من قبل الدولة العميقة في المخابرات والجيش والشرطة والقضاء والإعلام، فقد حققت تقدما ملموسا في حياة المواطن بشهادة أعداء الإخوان انفسهم سواء ارتبط ذلك بمنظومة التموين والاكتفاء الذاتي في القمح، أو إدخال قواعد بيانات حديثة في مصر لأول مرة من استخدام الكروت الذكية في توزيع الخبز والبنزين.
المتابع للفساد في مصر لابد أن يخرج بالمعلومات التالية:
القضايا التي تخرج للنور تستطيع أن تستنج منها أن الإفساد في مصر مخطط له بحيث لا يمكن لأى قوة أن تنال من روابط وعلاقات هذا الفساد المتشابك، بمعنى أن الفساد يتم تركه عن عمد.
أن الفساد في مصر أصبح عقيدة لدى القيادة العسكرية في مصر حتى تستطيع التحكم في القيادات الفاسدة وهو ما يعرف في لغة المخابرات بالسيطرة على العميل فلا يمكن أن يكون هناك قيادة بعيدة عن سيطرة المجلس العسكري فعليا وهو يستنسخ ما تم تطبيقه في عهد عبدالناصر من السيطرة على كبار المسؤولين.
أن الفساد في مصر يتم برعاية دولية لأنه بلا شك سيوقع الاقتصاد القومي لا محالة، فالفساد مهم للغاية للقوى الدولية حتى يظل الاقتصاد المصري تحت ربقة الاستعباد، فمما لا شك فيه أن الفساد يؤدي إلى ازدياد في الفوارق بين أفراد المجتمع فضلا عن تدمير أي بنية أساسية للاقتصاد.
أخيرا فإن الفساد سيدفع بالسيسي ومجلسه العسكري إلى الانهيار، فهم يمشون وراء مبارك الفاسد خطوة بخطوة، ولم ولن يتعلموا من كوارث مبارك، ولذا فإن النظام ساقط لامحالة وإن طال انتظاره فاستبشروا!