نشرت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، تقريرا حول
سيطرة العائلات النافذة في
اليونان على سياسة الدولة واقتصادها، بسبب امتلاك هذه العائلات لوسائل الإعلام الخاصة، ما يجعلها تعمل بطريقة مشابهة لـ"عصابات
المافيا الإيطالية".
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن
أقلية من اليونانيين تسيطر على دواليب الدولة وعلى
الاقتصاد، مشيرة إلى أن "اليونانيين يعرفون جيدا هذه العائلات، لكن لا أحد يجرؤ على الحديث عنها علنا، أو التنديد بهذا النظام القائم على حكم العصابات، فوسائل الإعلام التي تحظى بنسب مشاهدة عالية؛ تحت السيطرة المباشرة أو غير المباشرة لهذه العائلات، ورجال السياسة يرتهنون بمستقبلهم السياسي لهذه العائلات.
وأضافت أن حزب سيريزا جعل معركته ضد هذا النظام؛ أحد محاور برنامجه الانتخابي، ولكن بعد ستة أشهر من وصوله للحكم؛ لم يجد بعد الوقت للتصدي لهذه الظاهرة التي تنخر في الاقتصاد والمجتمع.
وبينت أنه عند الحديث عن هذا النظام الفاسد في اليونان؛ تذكر دائما عبارة "مثلث الخطيئة" أو "مثلث السلطة"، إلا أنه في الواقع عبارة عن مربع، يتكون أولا من نخبة رجال الأعمال، وثانيا من المصارف، وثالثا من وسائل الإعلام، ورابعا من رجال السياسة، "فرجال الأعمال يمتلكون أكبر المؤسسات الإعلامية، وهم من المساهمين في أكبر المصارف، ولديهم علاقات ومصالح مع السلطة السياسية".
وأوضحت أن هذه الأقلية هي عبارة عن عشرات العائلات النافذة، وتبقى أكبر عائلتين لديهما نفوذ اقتصادي كبير؛ هما عائلة فاردينويانيس التي تسيطر على صناعة النفط، وعائلة استيس التي تسيطر على الشحن البحري والعقارات، وتعمل هذه العائلات في الغالب بالتعاون مع شركات معظمها أوروبية، مثل الشركات الفرنسية والألمانية، وهكذا تبقى السلطة السياسية رهينة ارتباطها بمصالح رجال الأعمال.
وأشارت الصحيفة إلى وجود صمت مطبق حول نشاط هذه العائلات، التي لا تتعرض لأي تغطية من وسائل الإعلام اليونانية، أو حتى من وسائل الإعلام الأجنبية، "حيث انتظر الجميع تفاقم الأزمة المالية اليونانية؛ ليبدأ الحديث عن هذه العائلات النافذة، وتسلط عليها الأضواء بعد أن عملت لسنوات في الظل، بينما كانت وسائل الإعلام تنظر منذ فترة طويلة لهذا النظام القائم على الفساد؛ على أنه محرك للنمو والازدهار".
ولفتت إلى وجود بعض أوجه التشابه بين طريقة عمل هذه العائلات، وبين عمل المافيا الإيطالية، "حيث تقوم هذه العائلات بضمان الحماية لمنظوريها؛ من خلال حماية مصالح رجال الأعمال، عبر الدعم الذي تقدمه وسائل الإعلام لهم".
ومثّلت بأنه خلال استفتاء 5 تموز/ يوليو، حين كان الشعب منقسما؛ عمدت كل وسائل الإعلام الخاصة من دون استثناء، إلى الدعوة إلى التصويت بـ"نعم"؛ لأن ذلك يتماشى بشكل واضح مع مصالح هذه الأقلية.
وقالت الصحيفة إن هذا النظام الفاسد، الذي يسيطر على دواليب الحكم وعلى الثورة في اليونان، هو حديث عهد، مقارنة بخصوصية اليونان، التي لم تعرف في تاريخها سلطة مركزية قوية، "فلأسباب تاريخية وجغرافية، مع المدن الصغيرة والمجتمعات الصغيرة في الجبال والجزر؛ كانت الجهات في اليونان تتمتع بقدر كبير من الاستقلالية".
وأضافت: "تسبب نظام العائلات النافذة في ظهور نخبة من رجال الأعمال، الذين كانوا يعارضون المبادرات والإبداع، ويقصون أولئك الذين ليسوا جزءا من هذا النظام".
وبينت أن الاتحاد الأوروبي ساهم في دعم نفوذ هذه العائلات؛ ففي العام 2005، أصدرت حكومة المحافظين بقيادة كرامنليس قانونا يحظر على كل شركة، بما في ذلك أفراد أسرة صاحب هذه الشركة، المشاركة في المشاريع العامة إذا كانت تمتلك وسيلة إعلام.
وتابعت: "كان هذا أول جهد حقيقي للسلطة اليونانية لمقاومة حكم الأقلية، ولكن وجدت اللجنة الأوروبية أن هذا القانون يتعارض مع قوانين الاتحاد الأوروبي، وبدلا من طلب تغيير القانون والتعليمات بطريقة أو بأخرى؛ فقد هددت اللجنة الأوروبية الحكومة اليونانية بعدم تسليمها أموال القروض والمنح، ما دفع الحكومة إلى إلغاء هذا القانون".
وقالت إنه "حتى بعد خمس سنوات من السيطرة الكاملة من قبل الترويكا؛ فإنها لم تقترح أية تدابير لمحاربة أولئك الذين يمتلكون السلطة في هذا البلد، في حين يتم الضغط على المتقاعدين والناس البسطاء والعمّال؛ بتحميلهم أعباء السياسات
التقشفية".