نشرت صحيفة "نوفال أوبسرفاتور" الفرنسية، تقريرا حول تزايد عدد المقاتلين الفارين من صفوف
تنظيم الدولة، وقالت إن شهادات هؤلاء كشفت مدى التناقض والنفاق الموجودين داخل هذا التنظيم.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، أنه منذ ظهور تنظيم الدولة، تحول الآلاف من الأشخاص من كل أصقاع العالم إلى
سوريا والعراق، بهدف الانضمام إلى ما اعتبروه "دولة الخلافة"، لكن بعد فترة من الزمن اختار كثيرون منهم الهروب والابتعاد عن التنظيم، بعد أن أصيبوا بخيبة أمل.
ونقلت الصحيفة ما جاء في أحدث تقرير للمركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي، حيث وافق 58 من بين هؤلاء الفارين من صفوف تنظيم الدولة على الإدلاء بشهاداتهم، وشرحوا أسباب انشقاقهم عن هذا التنظيم. وقد أبرزت هذه الشهادات مدى بُعد الصورة الحقيقية لهذا التنظيم، عن الصورة المثالية التي يريد تسويقها لنفسه في دعاياته التي يبثها عبر مواقع الإنترنت.
وبينت الصحيفة أن هذه الشهادات التي أدلى بها الفارون، مكنت الباحثين في المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي من تحديد أربعة أسباب رئيسية وراء فرارهم.
وأول هذه الأسباب هو القتال مع الفصائل الأخرى في سوريا، و قد تواتر ذكر هذا السبب باعتباره أحد الأسباب الهامة وراء انشقاق المقاتلين عن تنظيم الدولة. فقد تبين أن هذا التنظيم يقاتل بالأساس بقية الفصائل المعارضة لبشار الأسد، المتواجدة معه على الميدان، مثل استهدافه لمقاتلي الجيش السوري الحر، وجبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سوريا.
ويرى
المنشقون الذين فروا من صفوف تنظيم الدولة أن محاربة نظام بشار الأسد ليست ضمن أولويات التنظيم، بالرغم من أن رغبتهم في محاربة هذا النظام كانت منذ البداية الدافع الرئيسي وراء انضمامهم إلى هذا التنظيم.
كما اشتكى المنشقون من وحشية التنظيم التي طالت المسلمين السنة، حيث أدان العديد منهم المجازر ضد المدنيين، وصدموا من الوحشية التي يتعرض لها المسلمون السنة، الذين يدعي تنظيم الدولة أنه جاء لحمايتهم.
وفي هذا السياق، لاحظت الصحيفة أن هذه الانتقادات لم تتطرق لمسألة العنف ضد الأقليات، على غرار الاستعباد الجنسي الذي تتعرض له النساء اليزيديات.
كما ذكرت الصحيفة أن الفساد والسلوك المتناقض مع القيم الإسلامية جعل الكثيرين يراجعون مواقفهم من التنظيم، فالفساد مرفوض في الخطاب الرسمي لتنظيم الدولة، ولكن العديد من القادة والأمراء يستغلون مناصبهم، كما لا يتم التعامل مع المقاتلين بطريقة عادلة، حيث لا يخفي السوريون امتعاضهم من الامتيازات التي يتمتع بها المقاتلون الأجانب.
كما أشارت إلى قضايا العنصرية داخل هذا التنظيم، على غرار الطالب الهندي الذي اقتصر عمله على غسل المراحيض.
وأضافت الصحيفة أن بعض المقاتلين فروا من "الحياة التعيسة"، حيث إنهم يعتبرون أن جودة الحياة في التنظيم لم تكن في مستوى توقعاتهم، وبخاصة المجندون الغربيون منهم، الذين لا يستسيغون الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، وعدم وجود السلع الأساسية.
كما يشكو البعض الآخر من أنهم يتم استخدامهم وقودا للمدافع، في حين يأسف البعض الآخر من بقائهم بعيدين عن الخطوط الأمامية، ما يحرمهم من تحقيق حلمهم في المشاركة في "المعارك البطولية".
ونقلت الصحيفة عن بيتر نيومان، مدير المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي، بأنه أصبح من الصعب على تنظيم الدولة المحافظة على الصورة المثالية وإخفاء تناقضاته، فشهادات المنشقين تؤكد وجود تناقض مع ما يتم تداوله في
الدعاية الرسمية، وتدحض ادعاءات هذا التنظيم حول المبادئ التي جاء ليدافع عنها.
وقالت الصحيفة إن عدد الفارين من صفوف تنظيم الدولة كان ليكون أكبر، لولا صعوبة الهروب من مناطق سيطرة التنظيم، حيث تتعدد عمليات الإعدام المرتبطة بتهمة الخيانة أو التجسس، كما يشدد تنظيم الدولة الرقابة على منافذ جميع الأراضي التي يسيطر عليها.
وقد تمكن مؤخرا أحد المنشقين من الهروب من قبضة تنظيم الدولة، بعد أن أقنعهم بأنه سيستقبل أخته القادمة من ألمانيا، على الحدود السورية التركية، ومن هناك تمكن من الفرار.
كما أوضحت الصحيفة أنه بالنسبة لأولئك الذين تمكنوا من الهرب، فإنهم لا يجدون ما يشجعهم على تقديم شهاداتهم، فحكوماتهم تجرّمهم وتشعر بالقلق على أمنها الداخلي، وتنظر بعين الريبة لقرارهم بالعودة إلى ديارهم.
ونقلت الصحيفة عن بيتر نيومان أنه "لا بد من استغلال شهادات الفارين لإظهار أكاذيب ونفاق تنظيم الدولة، إذ أنه من المؤكد أن المنشقين ليسوا كلهم صادقين، أو من المؤيدين للديمقراطية، أو هم مواطنون صالحون، ولكن الأجهزة الأمنية والسياسيين في حاجة إلى تجربتهم وحججهم (المنشقين) لتطوير التعامل مع هذه الظاهرة".
وذكرت الصحيفة أنه وفقا لتقرير المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي، يبدو أن عدد الفارين من صفوف تنظيم الدولة في تزايد، حيث إن 60 في المئة من حالات الفرار المسجلة منذ ظهور التنظيم تمت خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2015، وهي في تزايد مستمر.
وفي الختام قالت الصحيفة إن الحالات الثماني والخمسين التي شملتها الدراسة ليست إلا عينة بسيطة، من مئات الأشخاص الذين فروا من تنظيم الدولة. وحتى الآن، لا تعد هذه الانشقاقات كافية لزعزعة التنظيم، ولكنها الخطوة الأولى في طريق هدم آلة الدعاية القوية التي صنعها.