لا شيء في
الحكومة المصرية الجديدة يمكن أن يعطي للمواطن المصري أملا في غد أفضل، إذ يؤكد التغيير الوزاري أن هناك حالة إفلاس غير مسبوقة في الكوادر التي يعتمد عليها النظام العسكري في مصر، بحيث بات عاجزا عن إيجاد شخصيات قد تحسن من وضعه أو صورته الأخذة في الانهيار شيئا فشيئا، وبأسرع مما توقع أنصاره.
واذا كانت حكومة إبراهيم محلب وهو أحد المتهمين في قضية القصور الرئاسية عندما كان مديرا لشركة المقاولون العرب مع الرئيس المخلوع حسني مبارك وأخرين، قد تم إقالتها بعد غرق واسع في بئر الفساد وتحقيق المصالح الشخصية للوزراء وأسرهم والمحسوبين عليهم، فإن الوزارة الجديدة، لا تختلف كثيرا عن القديمة، إذ بقي الوزراء الأكثر استفزازا للمواطنين والأكثر دهسا للقوانين وأصحاب المقولات العنصرية والمحرضون على قتل المصريين بدعوى محاربة الإرهاب.
استمر في الوزارة وزراء الدفاع والداخلية والأوقاف والعدل وهم بالضرورة أسهموا بصورة قوية في العدوان على المصريين، كل من خلال موقعه، وتنوعت طرق عدوانهم المتتالي والمستمر، دون وجود محاسبة أو مساءلة في بلد باتت العدالة فيه شيئا صعب المنال، ودخل إلى الوزارة أخرون كانوا مستفزين للشعب وشعوره الديني مثل حلمي النمنم الذي تم تصعيده بعد الانقلاب العسكري بصورة مثيرة للجدل تولى خلالها رئاسة دار الكتب والوثائق القومية ثم الهيئة العامة للكتاب، وأخيرا وزارة الثقافة، التي باتت مرتعا يتصارع عليها الكارهون لثقافة الشعب المصري والمحتقرون للثقافة الوطنية والراغبون في التغريب. وفضاء الإنترنت يعج بفيديوهات ومعارك مع الوزير الجديد بسبب تصريحات مهينة للثقافة المصرية ومسيئة للشعور الديني للمصريين.
وزير التعليم الجديد هو مثال صارخ على عهد الانقلاب العسكري، إذ بمجرد الإعلان عن اختياره لتولي هذه المسؤولية، عجت وسائل التواصل الاجتماعي بتدوينات الوزير على موقع "فيس بوك" والتي احتوت كمية ضخمة من الأخطاء الإملائية لا يمكن أن يقع بها طالب اجتاز الشهادة الابتدائية، وهي أخطاء لا يمكن نسبها إلى سرعة في الكتابة ناتج عن نمط استخدام جهاز الهاتف أو الكمبيوتر، وإنما أخطاء مستمرة ومتكررة تنم عن جهل باللغة، ما كان لمرتكبها أن يمر ويجتاز امتحانات متعددة، فما بالنا وأن مرتكب هذه الأخطاء الفادحة حصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه وأصبح أستاذا جامعيا ثم وزيرا للتربية والتعليم!!
وزير ثالث تم إحضاره من عهد بالي نساه المصريون شكلا لكنه عاد موضوعا وبصورة أسوأ، فجاء أحمد زكي بدر وزير التعليم في عهد مبارك ونجل وزير الداخلية الأسبق زكي بدر الذي خاض معارك مع التيارات السياسية، وصلت حد غير مسبوق من الإسفاف والابتذال في الألفاظ، وكررها نجله عندما أصبح وزيرا للتعليم.
تقول الوقائع أن نظام 30 يونيو لم يعد قادرا على صناعة الرموز أو تكوين نخب يمكن اللجوء إليها أو الارتكان لها في تحسين صورة أو استغفال مواطن، وهي تهم طالما اتهم بها معارضو الإخوان نظام الرئيس محمد مرسي، رغم أنه كون كوكبة من وزراء ومسؤولين شباب نجحوا بصورة كبيرة في ظروف تعويق وتصيد للأخطاء كانت كفيلة بإفشال أي مجتهد، في تقديم خدمات وتغيير حقيقي للمصريين، كان من أبرزهم باسم عودة وزير التموين الذي حقق نجاحات غير مسبوقة في وزارة طالما شكى المصريون من سوء أفعالها.
كافة رموز الانقلاب العسكري حرقت نفسها أو أحرقت عمدا، بدءا من جبهة الإنقاذ التي قادت الرأي العام المعارض لمرسي، زورا، وبقضايا غير حقيقية، وحتى صناع 30 يونيو أنفسهم وعلى رأسهم محمد البرادعي والكثير من المنتمين للتيارات الناصرية واليسارية الذين فشلوا في تقديم أي شيء وبات الغضب الشعبي عليهم أوسع من ذي قبل.
فشل معسكر الانقلاب في طرح نخبه أو إيجاد شخصيات مدنية حقيقية يمكن اعتبارها واجهة للنظام العسكري، سيجعل هذا النظام في مأزق البحث عن شرعية تضفي عليه طابع مدني، أو حداثي، فبينما نجح مبارك في الاعتماد على شخصيات سميت في أواخر عهده بالحرس القديم، وصدر بعض الشخصيات التي جعلها إعلامه رموزا يمكن اعتبارها ذات تقدير من طوائف وفئات متنوعة رغم انتمائها لهذا النظام، فان نظام عبد الفتاح
السيسي فشل في ذلك تماما، على المستوى النخبوي والإعلامي وحتى على مستوى الانتخابات البرلمانية التي باتت صور المرشحين ودعاياهم الانتخابية والعبارات التي يسطرونها على هذه الدعاية مجالا للتندر والسخرية من قبل المصريين، رفضا لهذه النوعية من الثقافة والعقليات التي لا يمكن بحال من الأحوال أن تمثل قاعدة تشريعية لبلد بحجم مصر.