حذر استشاري إعلامي من الانعكاسات المعنوية المضاعفة لمأساة
الموت الجماعي التي جرت في
منى صباح أول أيام العيد، منوها إلى أن
كوارث الموت الجماعية في موسم
الحج الحالي "ستترك انعكاسات معنوية قد لا تكون مسبوقة على الجمهور، بالمقارنة مع فواجع شهدتها مواسم سابقة".
وقال الاستشاري الإعلامي حسام شاكر، في حديث لـ"عربي21": "إنّ كوارث موسم الحج الحالي، بدءا من حادثة الرافعة في المسجد الحرام، ثم فاجعة مشعر منى، ستتجاوز في الوعي الجمعي للجماهير الأبعاد التي اتخذتها كوارث سابقة".
وأوضح الخبير أنه "في السابق كان التعامل مع مآسي الموت الجماعي يجري بمنطق البيانات العددية للضحايا مع غياب عامل الصورة تقريبا، أما اليوم فإنّ بث المشاهد من ميدان الحدث مباشرة بأيدي الحجاج أنفسهم يزيد من القدرة على المعايشة والإدراك الوجداني لعمق الفواجع لحظة بلحظة".
وأعاد شاكر إلى الأذهان أنّ "فواجع هذا الموسم تأتي بعد تسع سنوات من آخر حادثة موت جماعي مأساوية في مواسم الحج، ولم تكن يومها تقنيات الالتقاط والبث باستعمال الهواتف الذكية والشبكات الاجتماعية متاحة كما هي عليه اليوم".
وبين شاكر في تحليله: "انتقلنا من زمن البلاغات والكم العددي، إلى زمن الصورة والمشهد، بما يتيحه ذلك من إدراك الوجوه والتفاصيل، ومعايشة الكيفيات التي تتفاعل الفاجعة بموجبها".
وتابع أنه "ستبقى بعض تفاصيل ما جرى في هذا الموسم عالقة في الأذهان في هيئة مصورة، بينما لا يكاد الجمهور يستحضر مشاهد ذات وقع مما جرى في مواسم سابقة، مثل كارثة النفق التي أودت في موسم الحج قبل ربع قرن تحديدا بحياة ألف وخمسمئة حاج تقريبا، أو حتى كوارث التدافع وحرائق مخيمات الحجيج التي وقع آخرها سنة 2006".
وواصل الاستشاري قائلا: "كانت روايات شهود العيان من الحجيج تنتشر في ما سبق بعد عودتهم إلى مجتمعاتهم غالبا، ويبقى نطاقها محدودا للغاية، لكنّ أجزاء من المشهد المفزع تنتقل اليوم بالكامل إلى ملايين المشاهدين بنقرات معدودة بعد التقاطها. إنّه فعل تضخيمي للصراخ وتعبيرات الألم وألوان الفواجع المرئية، بما يستثير إحساسا متعاظما".
ورأى شاكر أن هناك "انعكاسات سلبية متعددة لما يجري، خاصة عندما ترتبط بعض المشاعر المقدسة في وعي الجمهور عبر العالم بمشاهد فاجعة، كالتي وردت بعد سقوط الرافعة، ثم الموت الجماعي في منى".
وقال الاستشاري الإعلامي: "فواجع هذا العام تقضم من تأثيرات إعلامية وتواصلية إيجابية تراكمت في مواسم الحج الماضية"، موضحا ذلك بقوله: "شهدت المواسم الأخيرة توسعا في تمكين القنوات التلفزيونية التي تخاطب البلدان الإسلامية والعالم أجمع من مواكبة المناسك والاقتراب من الحجيج وإنجاز وثائقيات للشاشات بعدد من اللغات".
وأضاف: "جاءت الهواتف الذكية لتحقق معايشة غير مسبوقة مع تفاصيل الموسم وأداء المناسك خطوة بخطوة، مع تمرير هذه المواد حول العالم عبر الإعلام الاجتماعي وتطبيقات الأجهزة المحمولة".
بناء على ذلك، فالنتيجة كما يراها شاكر هي "حالة معايشة غير مسبوقة مع موسم الحج، واقتراب مباشر من وجوه الحجيج، خاصة مع ظاهرة الصور الذاتية (سيلفي) التي انتشرت في موسم الحج بدرجة هائلة، بدءا من الموسم الماضي (2014/ 1435)".
في ذلك، أشار الاستشاري إلى "جانب قاتم يتفاعل في الوعي الجمعي بتأثير مشاهد الفواجع المصوّرة، فالمشاهد الآتية من مشعر منى يوم العيد مألوفة تقريبا لقطاعات واسعة من الجمهور، فهي تتماثل نسبيا مع مشاهد الضحايا الذين يتساقطون بالجملة في المساجد والأسواق والساحات في بلدان عربية وإسلامية مأزومة، ولا شكَ أنّه ربط وجداني قاتم بين أكوام البشر التي أجهز عليها اعتداء وحصيلة ضحايا بفعل تدافع أو سقوط رافعة في المشاعر المقدسة".
وحثّ حسام شاكر على القيام بجهود توعية للجمهور، خاصة في المواسم ذات الخصوصية الدينية، بشأن "أخلاقيات التقاط الصور والمشاهد وبثها وتمريرها، فمشاهد الأنفاس الأخيرة ونحوها تتطلب مراجعة قبل الالتقاط والبث والتناقل، خاصة مع وفرة المشاهد التي تنتهك الكرامة الإنسانية للضحايا، فكيف إذا كانوا خلال المناسك".
في النهاية، أعرب شاكر عن أسفه لأنّ "ثقافة تمرير مشاهد الضحايا والأشلاء ترسَخت في المجتمعات رغم تأثيراتها الصادمة والعميقة على نفسيات الأفراد، وإن لم تكن ملحوظة، علاوة على أنّ بعضها يوضع في متناول أطفال بلا ضوابط"، وفق تعبيره.