بيان بعثة
الأمم المتحدة في
ليبيا الأخير أثار جدلا واسعا وكان سببا في غضب قطاع واسع من أنصار
البرلمان والمؤيدين لعملية الكرامة، حتى إن صورا أظهرت رئيس البعثة الأممية، برننادينو ليون، في هيئة متشدد انتشرت على صفحات التواصل الاجتماعي، لتعكس إلى أي درجة كان موقف البعثة من العملية العسكرية الأخيرة تحت اسم "حتف" صادما لأنصار العملية العسكرية الأخيرة.
البيان أدان بشدة ما وصفه بالتصعيد العسكري في بنغازي، واعتبر الهجمات الجوية التي نفذتها طائرات تابعة للجيش المدعوم من البرلمان مقوضة للجهود المستمرة لإنهاء الصراع الدائر في ليبيا.
والحقيقة أن موقف البعثة لم يكن وليد اللحظة ولا مقيدا بالتصعيد العسكري الأخير في بنغازي، فقد صدر عن البعثة بيانات عدة استنكرت العنف من الطرفين، وفي أكثر من مناسبة كان المقصود
عملية الكرامة تحديدا.
والحقيقة المكملة هي أن موقف البعثة كان مدعوما بموقف مشابه من الأطراف الدولية الرئيسية المساندة للحوار السياسي، التي كررت تحفظها على عملية الكرامة في بنغازي في مناسبات عدة.
وبالنظر إلى البيانات المتعاقبة للعواصم الأوروبية الرئيسية وبمشاركة واشنطن، يتجلى أن عملية الكرامة لم تكن محل تقدير أو تأييد دولي، بل إنها صارت مع مرور الوقت عامل تأزيم في نظر الشركاء الدوليين المعنيين بالملف الليبي.
نلحظ ذلك بالنظر إلى التدرج في مضامين البيانات المشتركة التي دأبت على التوقيع عليها كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وأسبانيا، منذ الانقسام السياسي في أغسطس 2014، فقد كان الموقف في بيانهم المشترك في أكتوبر 2014 هو التعبير عن القلق من العمليات التي يقودها حفتر، ثم تطور الموقف من القلق إلى "إدانة عمليات حفتر في بنغازي"، وذلك في البيان المشترك الصادر في ديسمبر من العام نفسه.
أيضا يكشف التحول في موقف الأطراف الدولية من إدانة سلوك قوات فجر ليبيا إلى الإشادة به عن اختلاف الموقف تجاه جانبي الصراع في ليبيا، ويعكس ذلك البيان المشترك الصادر عن الخمس الكبار في يوليو من العام الحالي الذي أشاد بمبادرات السلام التي تتخذ في الغرب، ومن ضمنها اتفاقات وقف إطلاق النار على المستوى المحلي، وتبادل الأسرى، وعودة النازحين.
واعتبر البيان أن هذ المبادرات مثّلت تطورات إيجابية، ونموذجا يحتذى.
ويعزى موقف البعثة والأطراف الدولية المساندة لها إلى اتفاقها على أن الخطر الأكبر في البلاد هو تنظيم الدولة "داعش"، وأنه لا يمكن التصدي له في ظل الانقسام الراهن، وأن الحكومة التوافقية التي من المفترض أن تكون ثمرة الحوار السياسي الجاري، هي المؤهلة للقيام بهذا الدور وأن العملية العسكرية في بنغازي لا تسير وفق هذا المسار بل تصادمه.
أيضا تكشف المواقف الدولية المتضمنة في البيانات المشار إليها أن العملية العسكرية في بنغازي تهدد مخرجات الحوار من ناحية كونها أحد أسباب التأزيم الإنساني، المتمثل في الدمار الذي لحق بالعديد من الأحياء ونزوح عشرات الآلاف من سكان المدينة، وهو ما أشار إليه بيان البعثة الأخير بوضوح.
علاوة على ما سبق، ولأن الانقسام حاد واقع بين أطراف أساسية في المعادلة الليبية، ولا يمكن التقدم خطوات اتجاه الاستقرار دون إدماجها، فإن المجتمع الدولي يرى أن الخيار العسكري ليس حلا، بل هو عنصر تقويض لجهود التسوية والاستقرار.
من جهة ثانية، فإن البرلمان وعلمية الكرامة لم يفلحا في إقناع الأطراف الدولية بصدقية حربهما على الإرهاب، فاستمرار الخطاب الذي يضع الكتائب المسلحة كافة في سلة واحدة، واتهامها جميعا بالإرهاب، وعدم التركيز على مجابهة تنظيم الدولة في درنة وسرت، بل واستهداف القوات التي تحارب تنظيم عدة مرات، ساهما بدرجة كبيرة في شك الأطراف الدولية في أهداف عملية الكرامة، وفي مقدرتها على دحر تنظيم الدولة.
أخيرا، ربما أسهم الضعف الذي أصاب عملية الكرامة، وأنها لم تعد محل إجماع جبهة طبرق بكل مكوناتها السياسية والعسكرية والاجتماعية والمجتمعية، كما كان عليه الوضع عند إطلاقها وبعد تبني البرلمان لها، ربما أسهم في عدم تعويل الأطراف الدولية عليها لفرض الاستقرار في بنغازي، ومن ثم في ربوع ليبيا كافة.
أما على المستوى الإقليمي، فإن رهان البرلمان وقائد جيشه خليفة حفتر على بعض الأطراف الإقليمية التي يبدو أنها لا تنسق مع الأطراف الدولية الغربية، بل ربما تدور في فلك بعيد عن مجالها، قد يكون أحد أسباب تحفظ تلك الأطراف على المشروع السياسي لخليفة حفتر، الذي يخطط للإعلان عن مجلس عسكري أعلى بدعم من تلك الأطراف الإقليمية.