طالب نحو خمسين من الساسة والنشطاء البعثة
الأممية بالعمل على تشكيل
حكومة مصغرة تقود البلد إلى الانتخابات، وتأتي هذه
المطالبة احتجاجا على حالة الجمود في المسار السياسي، فالناظر إلى الواقع الليبي
يرى استكانة ورضا بالواقع الحالي الذي تتقاسم فيه السلطات والصلاحيات والأشغال
حكومتان، ولا أفق ظاهر الملامح لإجراء انتخابات.
وانتقل مطلب التغيير الحكومي إلى مقدمة
الملفات الرئيسية في النزاع القائم بين جبهتي الغرب والشرق في البلاد وذلك منذ
قرار مجلس النواب تنحية رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد ادبيبة، من منصبه
أواخر العام 2021م، فقد كان موضوع الحكومة متأخرا في الترتيب فترة الخلاف الحاد
حول التعديل الدستوري وقوانين الانتخابات، وهو ما يعكس حالة التغيير السريع في
ملفات النزاع، والتشظي في الأزمة حيث يتم الابتعاد عن الملفات الرئيسية والصدام
حول قضايا متفرعة من أصل النزاع، وأزمة المصرف المركزي مثال جلي على ذلك.
التوافق حول إدارة المصرف المركزي مثل بارقة أمل لدى كثيرين من خلال إمكان تجاوز الجمود في المسار السياسي، ويمكن أن يكون هذا الأمل حقيقة إذا وقع تنازل كالذي شهدناه في أزمة المصرف المركزي
من المهم الوقوف على محركات النزاع حول رئيس
الحكومة، لفهم أسباب التعثر في التوافق حوله بين أطراف النزاع، فالدبيبة أقيل،
برغم أنه لم يتم عام في منصبه، بتهم الفساد، ومع التأكيد على أن الفساد خطر تفشى
في البلاد ولا يقبل التسامح معه، إلا أن الحديث عن الفساد كمبرر لإقالة رئيس
الحكومة مثير للسخرية في ظل فساد وهدر يزكم الأنوف في الدوائر السياسية والأمنية
في مناطق نفوذ مجلس النواب، ولقد كشف قرار إقالة فتحي باشاغا، الذي عينه مجلس
النواب بديلا عن الدبيبة، أن الفساد كان ذريعة، وأن النواب والقيادة العامة لا
تقبل برئيس حكومة لا يخضع لتوجهاتها وخياراتها، خاصة في مسألتين هامتين، الأولى
صلاحيات الدفاع والأمن، والثانية مخصصات الميزانية العامة، ولا يتصور أن أسامة
حماد لم يقع في تجاوزات تبرر إقالته كما وقع مع ادبيبة وباشاغا، والفارق هو أن
حماد مرضي عنه.
بالمقابل، فإن القوى السياسية والأمنية
النافذة في العاصمة طرابلس وبعض مدن الجوار لا يمكن أن تقبل برئيس حكومة يعتبرها
كيانات خارجة عن القانون وترتهن الدولة والحكومة ويسعى لتفتيها لصالح كيان عسكري
وأمني بديل، لهذا فإنها حاضرة في ملف الحكومة بقوة وكان حضورها مهما في التصدي
لقرارات مجلس النواب بخصوص تغيير رئيس الحكومة.
هذا هو السياق الذي جرى فيه الخلاف حول
رئاسة الحكومة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وما لم تتغير المواقف وتتبدل الرؤية
والنظرة إلى الحكومة من أداة لتمرير مصالح النافذين إلى سلطة تخضع لها كل
الكيانات، فإن التوافق على حكومة موحدة برئيس كامل الصلاحيات هو أمر بالغ الصعوبة.
وإدراكا للوضع الراهن وإشكاليات التوافق على
حكومة موحدة، اتجه الحديث إلى حكومة مصغرة محدودة الصلاحيات، تكون مهمتها الرئيسية
هي الإشراف على تنفيذ الانتخابات، وهنا ننتقل من ضفة إلى أخرى في تفسير أسباب تعثر
هذا الخيار، وهو الخلاف الشديد حول مقاربة الانتخابات وأسلوب تنظيمها، والدوافع
خلف تجاهلها من الجميع، ويبدو أن كافة الاطراف النافذة اليوم والتي تتمتع بسلطة
ونفوذ تدرك أنها قد لا تكون موجودة في حال أجريت انتخابات نزيهة، ويعزز من هذه
الفرضية البحث في نقاط الخلاف الراهنة حول قوانين الانتخابات، والتي تظهر الإصرار على
ضمان الفوز أو عودة الوضع السلطوي على ما كان عليه قبل الانتخابات.
التوافق حول إدارة المصرف المركزي مثل بارقة
أمل لدى كثيرين من خلال إمكان تجاوز الجمود في المسار السياسي، ويمكن أن يكون هذا
الأمل حقيقة إذا وقع تنازل كالذي شهدناه في أزمة المصرف المركزي، ولقد كان التغيير
في موقف مجلس النواب والتراجع عن مطالب عودة الصديق الكبير إلى منصبه كمحافظ
وتطبيق اتفاق بوزنيقة سببا مباشرا في حلحلة أزمة المصرف المركزي، فهل نشهد مثل هذا
التغيير في المسار السياسي؟ هذا ما لا يمكن الجزم به، وخلاف ذلك سيكون صدى
لتفاهمات الخارج إقليميا ودوليا.