تعتبر زيارة الأرحام والأقارب، وتفقد أسر الشهداء والجرحى والأسرى، من أبرز مظاهر
التكافل الاجتماعي التي يظهرها المجتمع الفلسطيني في كل المناسبات وخاصة الدينية منها، يضاف إليها توزيع لحوم الأضاحي خلال
عيد الأضحى لادخال شيء من السرور على قلوب
الفقراء والمعوزين؛ خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها
قطاع غزة.
وصرح مواطنون لـ"
عربي21" أنهم على الرغم من ظروفهم الاقتصادية الصعبة وارتفاع أسعار الأضاحي هذا العام إلى أنهم لم يتركوا سنة الأنبياء في ذبح الأضحية هذا العام، ليبعدوا الحزن عن قلوب أهليهم وجيرانهم، ويشاركوهم فرحة العيد.
أفخر بذلك كثيرا
الحاجة أم عبد الله (36عاما)، وهي أرملة شهيد من مدينة رفح جنوب قطاع غزة، طلبت منا عدم ذكر اسمها، حرصت على توفير ثمن أضحيتها من خلال مبلغ شهري تدخره هي وأبناؤها لتحافظ على تلك الشعيرة التي لم يتركها زوجها الشهيد.
وقد اعتادت أم عبد الله أن تذبح الأضحية مع زوجها منذ عام 1999، وبعد استشهاده أبت إلا أن تحافظ على هذه الشعيرة الدينية.
وفي أول أيام العيد أعدت مأدبة غذاء بجزء من الأضحية، ودعت إليها شقيقات زوجها وأهله إكراما له وإحياء لذكراه في قلوبهم، فيما الجزء الآخر قامت بتوزيعه على الأقارب والأصدقاء من الأكثر حاجة فالأقل، كما كان يفعل زوجها.
تقول أم عبد الله لـ"
عربي21"، وبهجة الدنيا تملأ ملامحها: "فرحة الأطفال الذين أهديهم الأضحية، ودعوات أمهاتهم أجمل هدية تسعد قلبي"، وتضيف "الأضحية فرصة كبيرة للتكافل والتراحم ونشر معاني الخير بين الناس، فالغني يطعم المحتاج وكذلك المحتاج يطعم من هم أكثر حاجة منه".
وتكمل "على الرغم من أن أوضاعنا المادية مستورة، إلا أن أكبر أبنائي عبد الله يستأذنني في كل عيد كي يرسل ثلث الأضحية إلى المسجد ليوزعها على الفقراء والمحتاجين" وتردف بابتسامة "أفخر بذلك كثيرا".
تنبت ودا ومحبة
ولا يختلف عنها عماد الغلبان، من مدينة خان يونس، الذي يؤكد أن عيد الأضحى فرصة للتواصل مع الفقراء والمحتاجين والشعور بحرمانهم وألمهم، ويشير الرجل في حديثه لـ"
عربي21" أنه في كل عام يعد قائمة من أسماء أقاربه المحتاجين، وأقارب زوجته وجيرانه وأصدقاء أبنائه وبناته ليرسل لهم من لحم أضحيته.
ويرى الغلبان أن توزيع الأضحية عليهم "ينبت في القلوب ودا ومحبة وسعادة"، خاصة في ظل أوضاع القطاع "المزرية"، ويمنح الأطفال بهجة العيد ويعلمهم حب الخير ومساعدة المحتاجين"، كما يقول.
يرسل ثمن الأضحية
وتعد الأضاحي من أبرز مظاهر التكافل الاجتماعي في غزة؛ إذ يعمد المضحون إلى توزيع معظم أضاحيهم على الأهل والأصدقاء والجيران من المعوزين في إطار التوسعة عليهم وإدخال السرور والبهجة على قلوبهم.
ويقول عمر شعبان "أبو أيمن" (60عاما)، الذي يقيم في السعودية منذ أكثر من 30 عاما: "أتمنى ألا يشعر فقير في عائلتي بالقطاع بالحاجة والعوز"، موضحا في حديث إلكتروني مع "
عربي21" أنه يصر في كل عام على أن يرسل ثمن الأضحية لابن أخيه في قطاع غزة لشراء الأضحية، ومتابعة ذبحها وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين.
ويؤكد أنه في هذا العام جعل نصيبا لمن شردتهم
الحرب الأخيرة في غزة، حيث شاهد حجم الدمار والمعاناة التي تكبدوها خلال الحرب ولذلك "أردت أن يشعروا بالسرور والبهجة معنا".
ويشير إلى أن ذلك يجدد الثقة، وحتى لا ينسى المغترب أهله ووطنه، وهو يشارك بما يستطيع من أجل التفريج عنهم، ويردف: "ذلك أدنى سبيل لنصرة أهلنا في قطاع غزة".
التقسيط للتيسير
أما التاجر عبد الرحمن الفرا، وهو في نهاية العقد الرابع من عمره، فقد انتهج وسيلة تقسيط ثمن الأضحية ليمكن أكبر عدد من المضحين بالتزام سنتهم السنوية بذبح الأضحية، وسبب ذلك كما يقول لـ"
عربي21": "الظروف الاقتصادية الصعبة وتزامنها مع أزمات انقطاع رواتب 40 ألف موظف في غزة، وغلاء أسعار الأضاحي هذا الموسم؛ كل ذلك دعاني لاتباع سبيل التقسيط للتيسير على الناس".
ويتابع أنه جنى نتيجة فعله نفاذ ما لديه من أضاحي في مزرعته، ناهيك عن رؤية البهجة على وجوه الكثير من الموظفين الذين تعذر عليهم الإيفاء بثمن أضاحيهم كاملة نتيجة عدم انتظام رواتبهم أو قطعها.
ويؤكد الفرا لـ"
عربي21" أنه كان يتحرى في بيعه للأضاحي عن ظروف الموظفين، وأولئك الذين يصرون على الأضحية على الرغم من أوضاعهم الاقتصادية، فقط ليشركوا أهلهم وذويهم فرحة العيد.