حزب الشعوب الديمقراطي برئاسة صلاح الدين دميرطاش حقق في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت في السابع من شهر حزيران/ يونيو الماضي فوزا مفاجئا حين اجتاز الحاجز الانتخابي وحصل على 13.1 بالمائة من أصوات الناخبين، إلا أن هذه المفاجأة أثارت تساؤلات كثيرة حول أمن الانتخابات وسلامة إجرائها في أرياف المحافظات الشرقية ذات الأغلبية الكردية. وبعد إعلان النتائج النهائية وحصول حزب الشعوب الديمقراطي على كافة أصوات الناخبين المسجلين في بعض القرى والبلدات، فقد اشتعل النقاش حول إمكانية التزوير والضغوط التي يمارسها حزب العمال الكردستاني على الناخبين في تلك المناطق.
السلطات التركية تستعد لاتخاذ كافة التدابير الأمنية لسلامة إجراء الانتخابات المبكرة في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، إلا أن هذه التدابير التي تهدف إلى تجلي الإرادة الشعبية وإدلاء الناخبين بأصواتهم بإرادتهم الحرة دون أن يخافوا من أي تهديد أو أن يشعروا بأي ضغط، أزعجت حزب الشعوب الديمقراطي الذي تشير استطلاعات الرأي إلى تراجع طفيف في شعبيته.
ومن التدابير التي تدرس الحكومة اتخاذها لسلامة إجراء الانتخابات نقل عملية التصويت من بعض القرى والمناطق المضطربة إلى مراكز الاقتراع في المدن، بالتنسيق مع اللجنة العليا للانتخابات، ما اعتبره الناطق باسم حزب الشعوب الديمقراطي "آيهان بيلغن" خطوة قد تدفع الحزب إلى مقاطعة الانتخابات، بل وهدد بأن تداعيات مثل هذا القرار قد تكون أكبر من مقاطعة الانتخابات لتصل إلى مستوى اشتعال حرب أهلية.
الانزعاج الشديد الذي يبديه قادة حزب الشعوب الديمقراطي من قرار إدلاء الناخبين بأصواتهم في المدن القريبة بدلا من القرى والمناطق المضطربة، يعزز الشكوك في نزاهة الانتخابات الأخيرة ويثير هذا السؤال: "هل حزب الشعوب الديمقراطي يرفض هذه التدابير لأنه لن يستطيع أن يزوِّر الانتخابات لصالحه في مراكز الاقتراع التي ستنقل إليها عملية التصويت ولن يستطيع أن يمارس الضغوط على الناخبين من خلال حزب العمال الكردستاني؟".
يرى مراقبون أن قادة حزب العمال الكردستاني يريدون أن يقاطع حزب الشعوب الديمقراطي الانتخابات المبكرة بسبب خوفهم من تراجع شعبية الحزب في ظل الاستياء الشعبي الواسع من الهجمات الإرهابية وعدم استجابة الشعب الكردي لدعوات التمرد، بالإضافة إلى خيبة الأمل التي يعيشها الناخبون الذين صوّتوا لصالح حزب الشعوب الديمقراطي، ظنا منهم أنه سيسهم في إتمام عملية السلام الداخلي.
ويقول هؤلاء إن حزب الشعوب الديمقراطي قد يدعو إلى مقاطعة الانتخابات المبكرة استجابة لطلب قادة حزب العمال الكردستاني لإخفاء تراجع شعبيته، وكذلك ليقول للعالم إن النتائج التي أفرزتها صناديق الاقتراع لا تمثل الإرادة الشعبية في
تركيا، إلا أن الدعوة للمقاطعة سلاح ذو وجهين، يعود ويضرب أصحاب الدعوة إن لم تكن نسبة المستجيبين لدعوة المقاطعة كبيرة، وتعني انتحارا سياسيا لحزب الشعوب الديمقراطي، كما يقول المحلل السياسي الكردي "إلهامي إيشيك". فيما يستبعد آخرون احتمال دعوة حزب الشعوب الديمقراطي إلى مقاطعة الانتخابات، على الرغم من كل ما يقال، لأن نجاح المقاطعة غير مضمون، في ظل مشاركة الأحزاب الأخرى، كما أن مقاطعة حزب الشعوب الديمقراطي للانتخابات قد تؤدي إلى فوز كاسح لحزب
العدالة والتنمية. وهناك جهود تبذل حاليا لتشكيل تحالف بين حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي يمتد إلى ما بعد الانتخابات.
وسط التكهنات والنقاش الدائر حول احتمال الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات أو التحالف مع حزب الشعب الجمهوري، فقد اهتز حزب الشعوب الديمقراطي باستقالة "مير صدر الدين كاراهان"، أحد أعضائه البارزين في محافظة ماردين، متهما قادة الحزب بإشعال فتيل الحرب وإرسال أبناء الشعب إلى الموت من أجل تحقيق أطماعهم ومصالحهم السياسية. ومما لا شك فيه أن مثل هذه التصريحات والاتهامات سوف تحرج حزب الشعوب الديمقراطي خلال الحملات الانتخابية باعتبارها "شهادة من الداخل".