قال الكاتب البريطاني ديفيد هيرست، إن حادثة تدافع الحجاج في الأسبوع الماضي، كارثة نستنتج منها بأن الأمة ليست في أحسن أحوالها، والتي تمخضت عن سحق المئات منهم حتى الموت إثر اندفاع موجتين من الحجاج في مواجهة بعضهما البعض داخل طريق ضيق قبيل القيام بشعيرة رمي الجمرات.
وأشار الكاتب في مقال له على موقع ميدل إيست آي، ترجمته "عربي21" إلى أنه ما زال عدد الذين قضوا نحبهم في هذه الكارثة محل تجاذب مرير وخلاف شديد، فقد بثت قناة تلفزيون برس تي في
الإيرانية تقارير زعمت من خلالها أن عدد الحجاج الذين قتلوا في التدافع تجاوز 4 آلاف حاج.
وادعت السلطات الإيرانية والباكستانية أن السعوديين أخبروا الدبلوماسيين الأجانب بأن ما يزيد عن ألف حاج قضوا نحبهم بينما أعلنت المملكة العربية السعودية نفسها أن محصلة عدد القتلى هو 769 حاجا، بالرغم من أن العدد كان ما يزال في تزايد.
وأحال هيرست، إلى القائد الأعلى في إيران آية الله خامنئي، الذي طالب العائلة الملكية الحاكمة في السعودية بالاعتذار عن الحادث، بينما طالب رئيس الجمهورية حسن روحاني الأمم المتحدة بالتحقيق، وقال المدعي العام الإيراني سيد إبراهيم رئيسي في تصريح بثه التلفزيون الرسمي بأن إيران ستطالب بمحاكمة العائلة الملكية الحاكمة في السعودية على "جرائمها" أمام "المحاكم الدولية".
من جهتها، وجهت المملكة العربية السعودية أصابع الاتهام باتجاه الدور الذي تزعم أن مجموعة من الحجاج الإيرانيين لعبته، وتسبب بدوره في وقوع الكارثة.
ونقلت صحيفة الشرق الأوسط عن مسؤول سعودي كان يقوم بمهمة التنسيق والتواصل مع بعثة
الحج الإيرانية الزعم بأن 300 حاج إيراني لم يتوقفوا عند الخيم المخصصة لهم صباح الخميس، ولم يتقيدوا بالجدول الزمني المقرر لتفويج كل مجموعة من الحجاج.
وادعى المسؤول السعودي أن الحجاج الإيرانيين ساروا مباشرة عبر الشارع رقم 204 في اتجاه معاكس لمسار الكتلة الرئيسية من الحجيج مما أدى إلى التدافع والتصادم، وقد مات من الحجاج الإيرانيين في هذا الحادث ما لا يقل عن 140 حاجا.
يذكر أن التلاسن والتجاذب بين إيران والمملكة العربية السعودية حول موسم الحج السنوي ليس بالأمر الجديد، بل يعود إلى سنوات طويلة مضت، ولعله بدأ بقيام محمد بن عبد الوهاب بادئ ذي بدء بتحطيم وإزالة المقامات التي يقدسها الشيعة ثم جاء الملك عبد العزيز بن سعود ليسير على نهجه ويقتفي خطاه.
وقد وقع أكثر من مرة أن علقت مشاركة الإيرانيين في الحج، وكان أبرزها تلك التي تلت الحادثة التي جرت عام 1987 عندما مات ما يزيد عن 400 حاج إيراني في صدامات مع الشرطة السعودية وصفها السعوديون حينها بأنها اضطرابات وشغب بينما اعتبرها الإيرانيون مذبحة بحق حجيجهم.
وقدم هيرست في مقالته رواية ثانية، مصدرها حاج سني بريطاني كان قد عبر من خلال الطرق الضيقة قبل حدوث التدافع، ولم يدر بوقوعه إلا بعد أن توالت الرسائل النصية على هاتفه النقال من أصدقائه تستفسر منه عن حالته وما إذا كان قد سلم من الكارثة.
وبدأت المشاكل المتعلقة حسب المصدر، بحركة ما يقرب من مليون ونصف المليون حاج تظهر قبل اليوم الذي وقعت فيها
الفاجعة، فقد شهد مطار جدة طوابير طويلة، واضطر بعض الحجيج إلى الانتظار تسع ساعات قبل أن يتمكنوا من تجاوز موظفي الهجرة والجوازات، أي أطول مما استغرقته رحلاتهم الجوية.
ولم يكن يتواجد في أماكن الشعائر ممن يمكن أن يرشد الحجاج سوى حراس الأمن، سواء من منتسبي الحرس الوطني أو القوات المسلحة.
ولم تكن هناك أي مراكز معلومات يقوم عليها مدنيون، ولم يكن ثمة تواجد لمن يتحدث بأي لغة سوى اللغة العربية لتوجيه الحجاج الذين قدموا من أصقاع الأرض ويتحدثون بمختلف لغات العالم أو ليجيبهم على تساؤلاتهم.
يقول الحاج البريطاني: "كنت واحدا من المحظوظين في المجموعة الأولى التي حاولت التحرك من المزدلفة إلى الجمرات، انتظرت على الرصيف ما يقرب من ثلاث ساعات ونصف الساعة، وكان المسنون من الرجال والنساء ينهارون من حولي. شاهدنا القطارات تأتي وتروح فارغة، بلا سبب واضح، لم تكن هناك أي معلومات، فيما عدا رسائل تفيد بأن بعض القطارات لم تكن لاستخدام الجمهور وإنما فقط لنقل موظفي الشركة التي تدير القطارات".
وأضاف في روايته "منذ السابعة صباحا من يوم عرفات (الأربعاء)، اضطربت خدمة القطارات بل إنها تعطلت لأوقات طويلة، وحينها حصل تدافع على البوابات وانهار 204 من الحجيج ( كما ذكرت التقارير السعودية الرسمية) واحتاج بعضهم إلى عناية طبية. وكانت أحوال الحافلات أسوأ من ذلك، ولم يتمكن بعضها من مغادرة عرفات قبل الساعة الرابعة من صباح الخميس، أي بعد 10 ساعات من الموعد الذي كان مقررا لانطلاقها".
وختم حديثه "بدأ عدد كبير من الحجاج بالسير على الأقدام، واستغرقتهم رحلة العودة إلى مكة تسع ساعات في أجواء حارة تجاوزت درجة الحرارة فيها 40 درجة مئوية، والذي حدث في موقع الفاجعة أن موجتين من الحجيج، واحدة قادمة من منى والأخرى تعبر من خلال منى، اصطدمتا بمجموعة أخرى من الحجيج تسير في الاتجاه المعاكس، وما فاقم الأمر أن حراس الأمن المتواجدين حول الخيام الموجودة عند هذه النقطة رفضوا ابتداء فتح البوابات ليخففوا الضغط عن الطريق، وخلال ثوان تحول عنق الزجاجة إلى تدافع قاتل، واستمرت الفوضى إلى وقت طويل بعد وقوع التدافع الذي تمخض عنه سحق كثير من الحجيج".
واعتبر ديفيد هيرست، أن ما وقع في الحج مؤخرا ليس سوى كارثة واحدة في سلسلة طويلة من الكوارث، ثمة فروق وخلافات كثيرة بين المملكة العربية السعودية وإيران، ولكن كلاهما يدعى اكتساب
الشرعية من الإسلام نفسه، وكل واحدة منهما تتمسك برواية مختلفة ومنطق مختلف، ولكنهما يتفقان فيما بينهما على مركزية نبي الإسلام محمد (ص) وعلى الالتزام التام بسنته ونهجه، ولكنهما كلاهما يتجاهلان واحدا من أهم تعاليمه.
وخلص الكاتب إلى أن لا المملكة العربية السعودية ولا إيران، اللتان تخوضان حربا ضد بعضهما البعض، وصلا مستوى كاف من النضج بحيث تتأهلان للاستفادة من القدرات الكامنة لشعوبهما، ولا أدل على ذلك العجز من الطريقة التي يعامل بها الحجيج، والذين أتوا لأداء مناسك عبادة تدعي الدولتان حرصهما على توفير الحماية لها، ما لبثت خدمة الحرمين الشريفين تستغل مصدرا للشرعية، ولا تجدها تؤدى كما لو كانت واجبا أو حملا للمسؤولية.
وأنه حينما تكتسب هذه الشرعية من خلال
الانتخابات الحرة، وعندما تفرض للمواطنين حقوق، وعندما يتمتع الضيوف بحقوق كما يتمتع به المواطنون، وعندما تمنح الحقائب الوزارية لمن هو مؤهل لحملها بدلا من أن توزع كما لو كانت هبات أو مكرمات أو رقيق وتنتقل من أمير إلى أمير، حينها، وحينها فقط، يمكن لمشاكل الحج أن تعالج.