أوضح رئيس الجمهورية التركية "رجب طيب
أردوغان" بعد زيارته لموسكو في يوم عرفة وعند انتهائه من صلاة عيد الأضحى بعض المسائل المتعلقة بالوضع السوري.
فقال في بداية حديثة: "يسعى الأسد لتأسيس دولة خاصة به، ذات سيادة ديموقراطية يحدها البحر الأبيض المتوسط من الغرب ضمن المناطق التابعة للنظام، وهو يحاول الآن أن يسيطر على نسبة 15% من أراضي ومدن
سوريا لإنشاء هذه الدولة، وتتضمن دمشق وحمص وحماة واللاذقية من المدن المتبقية في إقليم سوريا"، وأضاف بعدها جملة قصيرة فقال: "هناك احتمالية توجه الأوضاع السياسية في سوريا إلى فترة انتقالية بوجود الأسد أو عدمه...."
الإعلام المعارض وتشويه الحقائق
اقتطع إعلامنا المحلي المعارض هذه الجملة القصيرة من خطاب أردوغان، لينشر ويؤلف ما يريد عنها، فقد أظهر الإعلام اهتماما كبيرا بهذا الجزء من الجملة وحكموا على حزب العدالة والتنمية بتهمة الاتفاق مع نظام الأسد حالهم في ذلك كمن يأخذ نصف الآية "لا تقربوا الصلاة" ونسوا تكملتها "وأنتم سكارى"، فلا بد أنّكم رأيتم ما نشره إعلامنا في عناوين صحفه الرئيسية طوال فترة العيد والتي تفيد بعودة حزب العدالة والتنمية إلى علاقاته القديمة والوطيدة مع نظام الأسد!.
إن الخطر الأكبر الذي يجب علينا أن نوليه اهتمامنا هي محاولة الأسد تأسيس دولة تحت حكمه وحكم حزب البعث ذات سيادة ديموقراطية ـ إن كانت موجودة. فإن حدث هذا، فإن آمال السوريين بانضمامهم إلى الشعوب العربية الثائرة على حكامها تحت مسمى "الربيع العربي" للحصول على عيشة هنية وكرامة في ظل حكم عادل قد ذهبت أدراج الرياح، فلن يتحقق هذا الحلم أبدا، فها هو الشعب السوري يعيش مأساة العصر في تحول هذه الثورة إلى حرب أهلية تداخلت فيها الجبهات والأنظمة للوصول للحكم والسلطة؛ فكان أن استشهد وجرح وقتل مئات الآلاف من المواطنين السوريين وتشرد الملايين في الدول المجاورة، وها نحن نرى سوريا الآن ممزقة غارقة في الدماء لا يملك شعبها المشرد أدنى أمل للعيش فيها.
السوريون: حرب بلا نهاية
الأسوأ من ذلك، أن الشعب السوري ينتظر أن يخسر بشار الأسد كرسي حكمه الذي لازمه هو وعائلته لعقود، وسعوا في الأرض فسادا باستغلالهم هذا المنصب، لكن بشار الأسد لا زال مصرا على بقائه في الحكم لا بل يخطط لإنشاء دولته على رماد جثث السوريين...
ولا تزال المعارضة المسلحة مصرة على إبقاء أبواب هذه الحرب الأهلية مفتوحة إلى أن يأتي الوقت الذي يطيحون فيه بالأسد من على كرسي الحكم، ولا يزال الأسد مستمرا في إبقاء نيران الحرب مشتعلة ما دامت المعارضة المسلحة على أتم استعداد للهجوم ليحافظ على سلطته وحكمه الظالم.
ولم يكن موقف الأمم المتحدة مشرفا في إيقاف الحرب كونها الجهة المخولة باتخاذ القرار كما فعلت واتخذت قرارات مشابهة في دول ثانية وذلك لوجود أعضاء رئيسيين من الدول المسيطرة ممن يملكون حق الاعتراض وإبطال أي قرار باستعمال حق الفيتو أمثال روسيا والصين.
ولولا أن روسيا لم ترفع يدها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ولم تعترض باستخدامها للفيتو لإيقاف الأسد عند حده لكان حكم الأسد انتهى واندثر، ولما كانت هذه الحرب، ولا بلغ الأمر هذا العدد المهول من الشهداء.
العدالة والتنمية: ثبات على الموقف
بعد كل ما حصل ما زالت حكومة حزب العدالة والتنمية معارضة تماما لدعم الأسد، فقد أفاد رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان أثناء زيارته لموسكو وبعد عودته منها مجيبا على جميع الأسئلة والانتقادات الموجهة له، ومبينا بأن موقف الحزب اتجاه الأسد ونظامه من المستحيل أن يتغير فقال: "لم يتغير موقف معارضتنا لما يفعله الأسد في سوريا".
لكن من الواضح أن هناك العديد من المؤامرات المحاكة ضد حزب العدالة والتنمية، والعديد من المستجدات الحاصلة.
فقامت الأحزاب المعارضة المؤتلفة في أنقرة برسم الخطط والمؤامرات ضد حزب العدالة والتنمية لتنسي الجميع موقف الحكومة التركية الحازم بقطع العلاقات مع الأسد ونظامه من خلال تأكيدها على وجود علاقات وطيدة بين العدالة والتنمية ونظام الأسد، وفي الوقت ذاته كانت هذه الأحزاب تظهر نفسها كالحمل الوديع الذي يسعى لطرد الأسد، والعمل على إسقاطه أمام الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.
لكن كل هذه المستجدات لم تحصل إلا بعد أن خططت وتآمرت الأحزاب الأخرى على حزب العدالة والتنمية، وإن لم تحتوي
تركيا هذه التغيرات بشكل جدي ستجد نفسها حبيسة تنظيم جديد.
لكن لا بد من مفتاح لكل قيد...
تركيا المتضرر الثاني من الحرب
كانت تركيا هي المتضرر الثاني بعد سوريا وأهلها بسبب الحرب الأهلية، وما زالت هذه الحرب تؤثر وبشكل كبير على أنظمة تركيا كافة. فعندما ننظر إلى إيواء تركيا لأكثر من مليوني لاجئ سوري في أراضيها وإنفاقها عليهم بشكل لا يوصف نجد أن هذه الحرب الأهلية هي السبب فيما وصلت إليه الدولة التركية من عدم اتزان، فلم تقتصر عواقب هذه الحرب على تدمير سوريا فحسب بل أدت إلى انهيار التوازن التركي بشكل كبير وسعت إلى خرابها...... وما زالت.
فكيف لهذا القيد أن ينكسر؟ وما توجه كل هذه المستجدات الحاصلة؟
ما مصلحة تركيا في تقسيم سوريا؟
بينما نبحث عن إجابات لهذه الأسئلة يخطر في بالنا دولة بشار الأسد التي أصر على تأسيسها بسيادة ديموقراطية -هكذا يقال- مستغلا التفرقة العنصرية والدينية التي قسمت سوريا، وبعثرت قطعها بين هنا وهناك.... ونجد بعض المنظمات والائتلافات بين الأحزاب التركية المعارضة، وبعض الدول أمثال روسيا تقف مؤيدة خطط الأسد في صناعة مستعمرته ومملكته المزعومة على رقعة محددة من أراضي سوريا ومدنها ليمزق بفعلته هذه سوريا إلى أشلاء منثورة على خارطة ممزقة.
لكن السؤال الأهم هنا، هل سيكون انقسام البلد إلى بلدين واقعا في مصلحة تركيا؟
والإجابة على هذا هو النفي، ولا أعتقد أن أيا من هذه الخطط والمؤامرات ستكون لأجل تركيا ومصلحتها كما يظن الظانون. فعلينا أن نحذر أشد الحذر، وأن نتخذ كافة الإجراءات اللازمة لما نحن مقبلون عليه من مستقبل مظلم. فدعونا لا نتجادل بأي من هذه الأمور.
(ترجمة وتحرير تركيا بوست المصدر : صحيفة خبر تورك)