علق
عمرو حمزاوي، أستاذ العلوم السياسية المساعد بجامعة القاهرة، والسياسة العامة بالجامعة الأمريكية في القاهرة، على إقبال
المصريين الضعيف على الانتخابات البرلمانية بالتساؤل: "أما آن أوان تجاوز الهستيريا في مصر؟".
ووجه الناشط السياسي الليبرالي المعروف بمعارضته للانقلاب، في مقال له على صحيفة القدس العربي بعنوان: "ألم يأن أوان تجاوز الهيستيريا؟"، حديثه: "إلى المواطنة المصرية التي تخلت في صيف 2013 عن مطلبها المشروع الذي تمثل في إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وأيدت الانقلاب على الإجراءات الديمقراطية على نحو أسفر عن هيمنة المكون العسكري ـ الأمني على الحكم وإماتة السياسة بكونها ممارسة حرة وتعددية وسلمية تستهدف تعيين الصالح العام والتوافق بشأن السبل الأمثل لتحقيقه".
وأضاف: "حديثي اليوم يتجه إلى المواطن المصري الذي دفعته إلى مساندة مظالم وانتهاكات كارثية للحقوق وللحريات، وإلى الصمت على العصف المنظم بسيادة القانون، وبالفرص الفعلية لتداول السلطة عبر صندوق انتخابات نزيه وتنافسي ومدني، إما: هيستيريا العقاب الجماعي لجماعة الإخوان المسلمين ولعموم اليمين الديني، أو هيستيريا تخوين وتشويه وقمع النفر القليل من دعاة الديمقراطية الذي رفض استدعاء المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية للتدخل في السياسة وأدان المظالم والانتهاكات، دون تغليب لمعايير مزدوجة أو تلاعب بحسابات رديئة تتعلق بالهوية السياسية للضحايا".
وسأل حمزاوي المواطن والمواطنة المصرية: "هل نزعتم عنكم صنوف الهيستيريا التي زيفت وعيكم وألغت عقولكم وعطلت ضمائركم؟ هل أصبحتم تدركون حقيقة أن ما حدث في صيف 2013 لم يكن غير الخروج الكامل على مسار التحول الديمقراطي، وغير التجديد الكامل لدماء حكم الفرد والمنظومة السلطوية التي يعتاش عليها، والتي تسطو منذ خمسينيات القرن العشرين على المواطن والمجتمع والدولة في مصر؟ هل تيقنتم من أن سلطوية ما بعد 2013 تعتمد الدساتير لكي لا تلتزم بها، وتمرر الاستثنائي من القوانين والتعديلات القانونية لكي تخضعكم لسيف قمعها وتهجركم من المجال العام، ولا تنظم عمليات انتخابية إلا بعد أن تنتهي من تفريغها من الجوهر التنافسي والتعددي وتقرر توظيفها لاصطناع شرعية مشاركة شعبية لا معنى لها ولا مضمون بها؟".
وتابع تساؤلاته بالقول: "هل صار جليا أن حكم الفرد والسلطوية التي يعتاش عليها يعيدان إنتاج (جمهورية الخوف) باستخدام الأدوات القمعية المعهودة والأجهزة الأمنية والاستخباراتية المتغولة لكي تحول بينكم وبين مساءلة ومحاسبة الحاكم الفرد، بينكم وبين مساءلة ومحاسبة النخب التي تحتكر النفوذ والثروة، بينكم وبين مجتمع مدني مستقل وفعال يحمي حقوقكم وحرياتكم، بينكم وبين عدالة انتقالية تحاسب جميع المتورطين في المظالم والانتهاكات دون تمييز وتنتصر لجبر الضرر عن الضحايا؟".
وفي استمرار لمساءلاته بلغته المشحونة، أكمل حمزاوي تساؤلاته: "هل ما زلتم تشكون ولو للحظة أن السلطوية لا تعنيها مشاركتكم في المشاهد الانتخابية العبثية التي تعدها إلا في حدود اصطناع شيء من مظاهر لجان اقتراع وصفوف مقترعين وقوائم مرشحين يحتكرها خدمة السلطان وتخلو من المعارضين، وتغضب منكم وتنتق من اصطناع (العطف الأبوي) إلى التهديد والوعيد حين تمتنعون عن تمكينها من المظاهر الزائفة للمشاركة التي يحتاجها الحاكم الفرد في مخاطبة الخارج قبل الداخل؟".
واستعرض حمزاوي عددا من مواقفه السابقة التي تجاهلتها الجماهير المصرية، قائلا: "لم تصدقوني حين سجلت قبل 30 حزيران/ يونيو 2013 أن استدعاء الجيش للتدخل في السياسة لن يقارب بينا وبين الدولة المدنية التي نبحث عنها، في سلسلة مقالاتي في جريدة الوطن المصرية. وتماهيتم مع تخويني وتشويهي حين وصفت علنا 3 تموز/ يوليو 2013 وبعد أيام قليلة من حدوثه كانقلاب لن يترتب عليه سوى إماتة السياسة والقضاء على فرص التداول السلمي للسلطة (مع الإعلامي يسري فودة في 17 تموز/ يوليو 2013، وفي مقالات عديدة في جريدة الشروق المصرية)".
وتابع الناشط الليبرالي دفاعه قائلا: "استنكرتم رفضي لجريمة القتل الجماعي عندما فضت اعتصامات مؤيدي الرئيس السابق محمد مرسي، وتحملي في حدود طاقتي المتواضعة لمسؤولية العقل وأمانة الضمير بالمطالبة العلنية بمساءلة ومحاسبة المتورطين في القتل، وفي استخدام القوة المفرطة في رابعة والنهضة، على الرغم من الوضعية الهيستيرية التي كنتم عليها في أوج الترويج لكارثة (التفويض الشعبي)، وللعقاب الجماعي، ولنزع الإنسانية عن عموم المختلفين مع السلطوية التي كانت تجدد دماءها بامتصاص دماء الأبرياء (مع الإعلامي محمود سعد في 24 آب/ أغسطس 2013، وفي مقالات عديدة في جريدة الشروق المصرية)".
وقال أستاذ العلوم السياسية: "وفي المقابل، أنصتّم طويلا إلى طيور ظلام المرحلة وخدمة السلطان ومكارثي الرأي الواحد الذين ما لبثوا يهددونكم بالمصائر العراقية والسورية بعد تبرئة الاستبداد من كارثة تفتت المجتمعات وانهيار الدول"، مضيفا بالقول: "عندما شرعتم في البحث عن بدائل للزيف المعروض عليكم عبر الأذرع الإعلامية للسلطوية المصرية، أغرتكم الأصوات المرتفعة لخدمة السلطوية البديلة في الانتظار بادعاءاتهم الزائفة لجهة احتكار الحقيقة المطلقة وحمل أختام النقاء الثوري ومكايداتهم الجاهلة التي أضحيت معها زورا وبهتانا انقلابيا، لكوني أصر على التمييز بين المطلب الديمقراطي لحزيران/ يونيو 2013 الانتخابات الرئاسية المبكرة وبين الخروج على الإجراءات الديمقراطية في تموز/ يوليو 2013، ولرفضي حديث إسقاط النظام احتراما لإرادتكم التي عبرت عنها مشاركة بعضكم في الاستفتاء على الدستور 2014 وفي الانتخابات الرئاسية في 2014".
وواصل حمزاوي لغته الحادة، قائلا: "ثم ها أنتم تستمرئون مجددا اغتيال المعنى وغياب المضمون على يد خدمة السلطوية البديلة في الانتظار، العاجزين أخلاقيا وإنسانيا عن طرح رؤية لإعادة مصر إلى دينامية فرصة التحول الديمقراطي والتوافق المجتمعي التي أضعناها جميعا في أعقاب 11 شباط/ فبراير 2011، والتي ليس لها أن تنجح إلا بإدماج بعض عناصر السلطوية الجديدة غير المتورطة في الدماء وبعض عناصر اليمين الديني المعارض غير المتورطة في تبرير الإرهاب والعنف مع المدافعين عن الحقوق والحريات ومعكم عبر كافة الطبقات".
واختتم حمزاوي مقاله بالقول: "حديثي اليوم إليكم، وبعد أن قدمتم الرد الصادق الوحيد على عبثية مشهد (الانتخابات البرلمانية 2015) الذي أنتجته السلطوية المصرية – العزوف الصريح، أسألكم ألم يأن لنا جميعا أوان البحث العقلاني عن بديل لحكم الفرد ولجمهورية الخوف التي يصنعها مع أجهزته الأمنية والاستخباراتية؟"، متابعا بالقول: "ألم يأن لنا جميعا أوان البحث السلمي عن بديل لتزييف الوعي وإلغاء العقل وتعطيل الضمير وتبرير المظالم والانتهاكات عبر التحرر من صنوف الهيستيريا المحيطة بنا ومواجهة اغتيال المعنى وغياب المضمون والتفكير في شروط الخروج من أزمة مصر المستحكمة أيضا اقتصاديا واجتماعيا؟".
ليقول في ختام مقاله المشحون: "أسألكم جميعا صادقا، ألم يأن الأوان بعد؟".