أثارت دعوة للمساواة بين الرجال والنساء في الإرث الكثير من
الجدل والاستياء في
المغرب، وأوصى
المجلس الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسة حقوقية رسمية) في تقرير موضوعاتي له حول "وضعية المساواة والمناصفة بالمغرب" بضرورة تعديل مدونة الأسرة بشكل يمنح المرأة حقوقا متساوية مع الرجل فيما يتصل بانعقاد الزواج وفسخه، وفي العلاقة مع الأطفال، وكذا في مجال الإرث.
مس بإمارة المؤمنين
وفي تصريحات صحفية، قال حسن الكتاني، أحد رموز السلفية بالمغرب، إن توصية المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمساواة بين المرأة والرجل في موضوع الإرث "نسف لإمارة المؤمنين ولشرعية الدولة ومؤسساتها".
واعتبر توصيات المجلس صدى لقرارات الأمم المتحدة التي تسعى إلى نشر ثقافة التوحيد بين الجنسين، والإقرار بالزواج المثلي وغيره، بحسب تعبيره.
وشدد على أن هذه الأمور مرفوضة تماما من الشعب المغربي، "ولا يمكن لقلة قليلة من العلمانيين واليساريين تعميم هذه الرؤية على أمة كلها مسلمة. فأي إنسان عادي لو سألته عن هذا الأمر لاستنكره واستهجنه" على حد تعبيره.
من جهته، اعتبر محمد الفيزازي، وهو من شيوخ السلفية، توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان اعتداء على الدين وتطاولا على القرآن و"تحد لرب العالمين".
وزاد في تدوينة له نشرها على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بأن هذه التوصية "تشكل أيضا اعتداء على المؤسسات على اعتبار أن المملكة المغربية دولة إسلامية".
واعتبر الشيخ السلفي ما جاءت به توصية اليزمي "تجاوزا لوظيفة العلماء ووظيفة المجلس العلمي الأعلى الذي يرأسه أمير المؤمنين"، كما يشكل أيضا تجاهلا لدور المجالس العلمية الوطنية في كل إقليم، و"تحديا وتطاولا على التخصصات".
ودعا الفيزازي المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى عدم الخوض "فيما لا يعنيه"، وأشار إلى أن "الذين يفهمون كتاب الله هم أهل العلم ويجتهدون فيه".
وحذر الشيخ السلفي المجلس بعدم اللعب مع ما اعتبره "ذيل الغول" حتى لا يصنعوا التطرف والإرهاب، وشدد على أن توصياته هذه تعتبر "ماكينة" لصناعة الإرهاب.
الدعوة معارضة للدستور
ودعا عبد الرحيم شيخي، رئيس حركة التوحيد والإصلاح (مقربة من حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة)، أعضاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى التحلي بالشجاعة وإعادة صياغة مضامين التقرير وملاءمته مع مضامين دستور 2011.
ودعا شيخي في مقال عنونه بـ "رسائل إلى الإخوة والأخوات في المجلس الوطني لحقوق الإنسان"، أعضاء المجلس من الرجال إلى "المبادرة الفورية، بمجرد قسمة وتوزيع التركة التي ورثوها أو سيرثونها عن آبائهم وأمهاتهم، إلى التنازل عما يعتبرونه مخلا بمساواتهم مع أخواتهن أو باقي النساء المستحقات لنصيب من الإرث".
واعتبر المتحدث في رسائله لأعضاء مجلس اليزمي، أن توصيتهم بخصوص
المساواة في الإرث تعتبر غير متلائمة مع الدستور الذي ينص في الفصل 175 على أنه "لا يمكن أن تتناول المراجعة الأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي، والنظام الملكي للدولة، وبالاختيار الديمقراطي للأمة، وبالمكتسبات في مجال الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور".
في حين، وصفت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية دعوة المجلس الوطني لحقوق الإنسان للمساواة في الإرث بين المرأة والرجل، بالدعوة غير المسؤولة والتي تتضمن خرقا سافرا لأحكام الدستور وتتعارض تعارضا بينا مع أحكامه وخاصة مضمون الفصل 19 نفسه الذي تحيل عليه التوصية المذكورة.
واعتبرت قيادة حزب المصباح في بيان لها، أن التوصية المذكورة تعد "تجاوزا لمؤسسة إمارة المؤمنين ومنطوق الخطاب الملكي السامي في افتتاح السنة التشريعية لسنة 2003 الذي أكد فيه جلالة الملك أنه بوصفه أميرا للمؤمنين لا يمكن أن يحل ما حرم الله أو يحرم ما أحل الله".
وشدد الحزب على أن التوصية المذكورة "تفتح جدلا عقيما حول مواضيع تنظمها نصوص قرآنية قطعية الثبوت والدلالة كموضوع الإرث".
بدوره، قال حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال (معارض)، في تعليق له على توصية المجلس الوطني لحقوق الإنسان بخصوص المساواة في الإرث، بأن "قضية الإرث محسومة بنص قرآني، ولا اجتهاد مع وجود النص"، مضيفا أن موقف حزب الاستقلال واضح وصريح في هذه القضية، "إذ لا يمكننا أن نعارض ما جاء به الله ورسوله".
ودعا ذراع حزبه النسائي "منظمة المرأة الاستقلالية" إلى بلورة موقف حول توصية المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمتعلقة بالمساواة في الإرث.
وأضاف شباط، في معرض كلمته بالجلسة الافتتاحية لدور المجلس الوطني لـ"منظمة المرأة الاستقلالية"، السبت، أن نقاش الإرث واضح ومحدد دينيا، غير أن توصية المجلس الوطني لحقوق الإنسان تستدعي النقاش، وعلى المنظمة الاستقلالية أن تعطي وجهة نظرها إلى جانب قيادة حزب "الاستقلال"، التي ستناقش الموضوع من زاوية دينية وأخلاقية، أخذا بعين الاعتبار تاريخ حزب "الاستقلال".
يشار إلى أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لا يعكس جميع التيارات الفكرية في المجتمع، إذ يتشكل في تركيبته من حساسيات يسارية وعلمانية.
جدير بالذكر أنها ليست المرة الأولى التي تتم فها الدعوة إلى المساواة في الإرث، إذ سبق وأن دعت إلى ذلك بعض الجمعيات الحقوقية ذات المرجعية اليسارية، كما دعا إلى ذلك الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر.