على قاعدة ارفع صوتك لإثارة الرعب في نفوس الخصوم والأعداء ، ثم توجيه الضربة القاضية تحت الحزام ، اعتمد زعماء سياسيون هذا الأسلوب وسرعان ما تخلوا عنه لأن كفة الصراع لم تكن في صالحهم ، منهم من لجأ إلى ما يعرف بالحرب الناعمة ، وآخر فضل اللعب الخشن في الساحة مستفيداً من تجاهل الحكم ومراقبي الخطوط رصد الأخطاء والفاولات فراهن على طاقم تحكيم اللعبة فهز شباك الخصوم.
مفهوم الحرب الناعمة دخل إلى المشهد العراقي نتيجة الصراع الخفي بين القوى السياسية المشاركة في الحكومة بكل كتلها وائتلافاتها وتحالفاتها ، حتى الآن لم يبرز طرف يستحق لقب المنتصر، هناك من يصر على ترديد قول نحن أهل السيف سنقف بالمرصاد ضد من يحاول فرض نظرية الحزب الحاكم بزعامة القائد التاريخي ، المندحرون في الحرب الناعمة يخشون الاعتراف بالهزيمة ، خشية فقدان قواعدهم الشعبية من فئة أبو راضي ، يحاولون اليوم اغتنام الفرصة المناسبة لتصدر المشهد ، فمن استبد بالثمر ليس على استعداد للقبول بالشجر ، لذلك تحولت الحرب الناعمة إلى خشنة بامتياز ، تنذر بمفاجآت ستخلف أزمة مستعصية تحتاج إلى تدخل دولي لتجاوزها مع زيارات مكوكية إلى دولة جارة لطالما امتلكت حق اختيار المرشح لشغل منصب رئيس الحكومة .
الصراع على السلطة متوارث ، النسخة الديمقراطية العراقية فشلت في تحويله إلى منافسة لإدارة الدولة ، فجينات الجيل القديم من الساسة على صعيد العمل السياسي ، انتقلت إلى الجيل الجديد ، التمسك بالأيديولوجيات على حساب البرامج ضيع فرص ضمان مستقبل الشعب العراقي ، من خلال تعزيز قواعد اللعبة الديمقراطية ، واحترام حقوق الإنسان ، وتحقيق التنمية ، جينات الحزب الحاكم استقرت في خلايا النخب السياسية العراقية بلا استثناء ، سواء اعتمدت الحرب الناعمة أو الخشنة أثبتت أنها عاجزة عن العمل بمبدأ التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع .
الواقع العراقي اليوم أصبح كوميديا رثة بمشاهد هزيلة يؤدي أدوارها مهرجون يحاولون إقناع الجمهور تارة بارتداء العكل وإشهار السيوف لإعادة أمجاد الأجداد ، وتارة أخرى بالجراويات وأداء المربعات البغدادية لتحقيق التلاحم المصيري مع طبقات الشعب ، تتوالى المشاهد فيدب الملل بين الجمهور فيستسلمون للنعاس ثم يغطون بسابع نومة .
في تقارير مراكز بحوث دولية معنية بدراسة صفات العامة للشعوب ، توصلت إلى حقيقة تفيد بأن الدول ذات التجارب الديمقراطية الراسخة تعاني مجتمعاتها الملل والرتابة ،فتعرض كبار السن إلى الإصابة بالكآبة على الرغم من توفير برامج رعاية تعمل على تخفيف معاناتهم ، في ضوء تلك التقارير قدمت النخب السياسية العراقية خدمة كبيرة للأجيال المقبلة تستحق الإشادة ، لدورها في إبعاد العراقيين من الإصابة بأمراض نفسية ، في ضوء ذلك سيكون الصراع على السلطة في الحرب الباردة والخشنة من أبرز منجزات القوى السياسية وزعمائها أصحاب العمائم والجراويات والأفندية .