كتاب عربي 21

متى موعدنا؟

عبد الرحمن يوسف
1300x600
1300x600
في زمن قريب كنت أسير في الدرب وحيدا، لا يصادقني أحد، ولا يصدقني أحد!

أفكاري أحلام شاعر في نظرهم، أسرد أدلتي، يفندونها، دائما يبدأون بجملة (الواقع يقول)، فأرد عليهم (الواقع لفَّقَهُ وَهْمُكُم وخوفُكُم)، أحاول أن أشرح لهم أن الحلم ممكن، وأن الخيال ليس جريمة، أحاول أن أفهمهم أن الإنسان بلا خيال يصبح جثة هامدة، لا معنى للحياة بلا حلم ولا خيال، فتراهم يقولون لي (الواقع يقول!).

الاستشهاد بالواقع لم ينفعهم، بدأ الحلم بالتحقق، انهارت أنظمة، فقالوا لي (صدفة)، وحين بدأت يد الحماقة ببناء نظام جديد قلت لهم (هذا بيت عنكبوت)، فقيل لي (ولكن الواقع يقول)... عرفت حينها أنه قدري... قدري أن أرى... أو ربما هو قدرهم أن تعمى بصائرهم.

انهار بيت العنكبوت، وجاء نظام جديد، يريد أن يثبت قوته بالبطش، نظام لا يملك من مؤهلات الحكم إلا الدبابات، بدا في أول الأمر قويا، بدا وكأنه سيبقى للأبد، راهنت عليه كثير من الجماعات والدول، قلت لهم (لا تراهنوا على الحمار الخاسر)، فقيل لي (الواقع يقول)، فقلت لهم (الواقع لا يقول... بل هذا صوت نفوسكم المريضة وأهوائكم البغيضة)، فقيل لي اخرج منها إنك رجيم.

ليس جديدا عليَّ أن أمنع، لقد عشت غالبية عمري شاعرا ممنوعا من غالبية المنابر، محروما من الجماهير، ولكن الحقيقة أنني وصلت إلى الملايين في غالبية الدول العربية، وبقي الآخرون محبوسين في منابرهم التي لا تصل لأحد، يحصلون على جوائز وهم نكرات، ينالون تكريمات في قاعات فاخرة بلا جماهير.

في بداية مسيرتي قلت لأحد الشعراء المحسوبين علينا من الكبار إنني أنوي أن أكتب في السياسة، لأن الأمة تحتاج إلى ذلك، ولأن هذا الجيل يحتاج صوتا شعريا يحمل رسالته ويعبر عنها، فتحدث معي عن الشهرة، والمال، والأضواء، وأنني لن أجد منبرا ولا جمهورا، قال لي يومها (الواقع يقول ذلك)، فعرفت أنه أفّاك، مزيف، وقد أثبتت الأيام ذلك بعد عدة سنوات، فسقط مع غالبية النخب التي سقطت، سقطت كل أشعاره تحت بيادات العساكر وهو يشجعهم على هدم البيوت، وعلى بناء الجدران بيننا وبين إخوتنا، شاعر يزعم عشق الحرية وهو يرى في جدار برلين أنموذجا ينبغي على مصر أن تحتذيه في علاقاتها مع فلسطين.

في مسيرتي رأيت كثيرا من مدعي البطولة، رأيت من يهجو الحاكم وهو في مأمن منه، يهجوه وهو يضمن بنسبة مليون في المائة أن هذا الحاكم لا يستطيع أن يمسه. حينها فقط ... رأيت عشرات الشعراء يعلون صوتهم في الهجاء، بعضهم بلغت به درجة الصفاقة أن يتفل على من يهجوه في التلفاز، في مشهد لم تعرفه القصيدة العربية، ولم يره تاريخ الشعر فصيحا كان أو عاميا.

كانت سوقا رائجة... وانفضت!

أسأل اليوم أين الشعراء؟ أين الهجاؤون؟ أين البطولات والعنتريات التي رأيناها على الشاشات شهورا طوال؟

لا أجد سوى صمتا مخزيا أو خزيا صامتا!

مع تكرر سقوط الاستدلال المبتذل (الواقع يقول) فهم بسطاء الناس أن الواقع ليس سوى مرآة لخوفهم أو شجاعتهم، فمن يرى الدنيا بعين الخائف سيرى الواقع أبوابا موصدة، ووحوشا مترصدة، ومن يرى الدنيا بعين الشجاعة سيرى الواقع نوافذ مشرعة، ومواكب حرية مسرعة.

الواقع مجموعة افتراضات يتخيلها كل إنسان كما يريد، الواقع حزمة من المسلمات لم يجرب غالبيتنا أن يخضعوها لأي نوع من أنواع الشك، لذلك ينهار واقعنا بسهولة جدا مع أول اختبار حقيقي.

الواقع يقول إننا اليوم أمام صنم يهوي، يحتاج دفعة من يد مخلصة لتخلصنا من هذا العار الذي نراه على الشاشات يوميا.

منذ عدة شهور كان الشعب يتساءل (كيف نسقطه؟)، اليوم يتساءلون (متى موعدنا؟ متى نلتقي في الميادين لإسقاطه؟).

إنها مسألة وقت!

في ذكرى محمد محمود؟ في ذكرى مجلس الوزراء؟ في ذكرى ثورة يناير؟ في ذكرى خلع مبارك؟
يتساءلون عما بعده، يتساءلون كيف نحافظ على مكتسباتنا هذه المرة؟ يتساءلون كيف نضمن أن نحقق أهداف ثورتنا وأن نوقف انهيار الدولة؟ كيف نخلص مصر من هذه العصابة التي لا هم لها سوى قتلنا وتجويعنا لحساب كروشهم وكروش الجالسين في واشنطن وتل أبيب؟

غالبية الشعب المصري العظيم لا يهتم بمشاكل السياسيين المتعلقة بالدساتير والقوانين، لا يغرق في تفاصيل الاصطفاف، لا يؤخر وثبته عودة فلان أو علان لمنصب، الشعب سيتحرك قريبا، العقل الجمعي لهذه الأمة سيحدد لحظة الانفجار، ولن يوقفها دبابة، ولن يتحكم فيها تنظيم، ولن يؤثر فيها قنوات فضائية، ولن يوجهها قوى دولية... سيتحرك الناس قريبا جدا... ولن يطالبوا إلا بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، مهما حاول البعض أن يدس على أجندة الحراك هوية مصر، أو شكل الدولة، أو علاقاتها الدولية... كل ذلك باطل.

الواقع يقول: إننا أمة غاضبة، ولن تهدأ حتى تحقق ما مات في سبيله آلاف من أبنائها، حتى لو دفعت في ذلك مزيدا من الدماء.

موقع إلكتروني: www.arahman.net
بريد إلكتروني: [email protected]
التعليقات (13)
محمد جابر
الجمعة، 20-11-2015 05:12 ص
لقد عبرت تعبيرا واقعيا عما يقوله الواقع المصري بل العربي
نبيل الفيومي
الأحد، 15-11-2015 11:46 م
يسمع منك ربنا الله غالب
زهرة القرنفل
الأحد، 15-11-2015 03:11 م
رائع يا أستاذ لكن أختلف معك في بيت العنكبوت دائما أول بناء القصر طوبة صغيرة .لكن أعداء الحرية سرقوا الطوبة وإختطفوا البنا وقتلوا العمال وصادروا أرض القصر
حسن
الأحد، 15-11-2015 02:25 م
لم يتسنى للرسول ان يتغلب على طغمة قريش مكة, الا عندما لجا الى القوة وتغلب عليهم اخيرا في عقر دارهم (مكة), وانتهت تلك الحقبة من مجتمع العرب قبل الاسلام الى الابد, و بدات حقبة جديدة عند العرب. لم تفلح مع الرسول كل السلمية التي حاولها مع قريش سواءا لما كان في مكة او لما كان في المدينة. هذه حقيقة. ولو بقي الرسول منتهجا نهج السلمية..سلميتنا اقوى من السيوف (الرصاص) لكان اما قد انهزم عندما سينفض الناس عنه (سيرون فيه مفرطا في الحقوق, وغير جدير بالاتباع .. الناس تريد رجلا قويا ذا شكيمة وشوكة), واما ان يكون الى اليوم لا زال يفاوض ويقوم بمظاهرات ضد طغاة قريش مكة ويحلم ويتخيل, ويدعوا قومه من التابعين وغير التابعين المستضعفين الى الاصطفاف الثوري وتنحية الخلافات جانبا!. لكن ما يتكلم عنه الاخ عبد الرحمان صحيح 100%.. الانسان يجب ان يكون طموحا وحتى مخيالا في محاولته التغلب على الوقع, ولكن هذا لا يتحقق فقط بالدعوة, والاصطفاف والسلمية , ما لم تقترن بالتضحية (الدم).. والتضحية هنا ليست الموت على قارعة طريق اثناء مظاهرة او اعتصام او اصطفاف, فذاك لا يسمى لا تضحية ولا استشهاد.. واقصى ما يمكن ان يسمى, هو الجبن والخيبة. اما التضحية فهي لما يموت المرئ في ساحات الوغى وليس الا في ساحات الوغي.. ان يموت بلال الحبشي في عز الظهر تحت شمس حارقة وحجر فوق بطنة ليست بطولة وانما البطولة عندما حمل السلاح فيما بعد وحارب اسياده السابقين الذين استعبدوه.. التاريخ لا يكتبه الضعفاء.. الناس تريد رجلا قويا في السلم والحرب.. انظر وتعلموا من الفلول وانصار السيسي وكل كاره للاخوان ومرسي, لم يجتمعوا حول السيسي ولم يساندوه لفطنة وذكاء فذ وحنكة سياسية وجدوها فيه (فهم اول من يدرك محدودية قدراته الفكرية والساسية, بل هم اول من يدرك انه عبيط واهبل وغبي), وانما اجتمعوا حوله لانه ذو شوكة وقوة وقادر بل ومستعد ان يبطش باعداءه واعداء هؤلاء الذين اجتمعوا حوله, بلا رحمة وشفقة!.. والسؤال الان هو: اذا كان اتباع السيسي يدركون هذه الحقيقة من السنن الكونية القدرية في الانسان (وهم على ما هم عليه من باطل) ويعملون بها, فكيف بي بقوم الاصطفاف والسلمية لا يدركون ذلك وان ادركوها لا يعملون بها, وهم على ما هم عليه من حق (اصحاب حق)!
اميره
السبت، 14-11-2015 11:15 م
يا استاذي الفاضل تحياتي لحضرتك وانا من المعجبين بشعر ومقالات حضرتك وأوافقك الرأي في قضايا كثيرا ولقد حكي لي اخي عن حضرتك بعد مقابله تمت بينكما في مصر القويه واتمني مقابلتك انا مش هاقول لحضرتك زي كتير وايه بعد الاصطفاف او الثوره عسكر تاني ولا اخوان انا با قول لحضرتك احنا هننزل نموت او ننتحر لانك نازل تواجه الجيش يعني لازم تبقي ثوره مسلحه وهتبقي حرب في 25يناير الجيش نزل حمانا لانه مكنش عاوز جمال بعد مبارك خافوا البلد تروح من ايديهم وتبقي مندنيه فانقلبوا علي مبارك من رأي ان 25 كانت انقلاب من الجيش عليةمبارك ايده الشعب او ثورة شعب ايدها الجيش فحماها لتنجح لانها في صالحه الجيش الي نزل حمانا في 25 هو نفس الجيش الي قتلنا في محمد محمود وفي رابعه والنهضه ومستعد يبيدنا لو ثورنا عليه دا مش خوف بس برضه هاقولك الواقع صدقني دى الحقيقه الا اذا حدث انقلاب عليه داخل الجيش وهيجي برضه عسكري تاني واحنا وحظنا الحكم في مصر باق عسكري التاريخ والواقع بيقول كدا ولك ولنا ان نتخيل ونحلم بأي شيء اخر وندعو الله تعالي ان يخلصنا ويرسل لنا رجل يجتمع عليه الجميع