يتعرض النازحون في بعض مدن محافظة ديالى، شرق
العراق، إلى عمليات ابتزاز مالي، ومصادرة للمساعدات الإغاثية على يد
مليشيات الحشد الشعبي التي تفرض سيطرتها على كامل المحافظة، فيما ترغم الشباب على الالتحاق بصفوفها، أو دفع بدلات مالية لدعم الحشد الشعبي.
مصدر مسؤول في قيادة شرطة محافظة ديالى، قال لـ"عربي21"، مشترطا عدم ذكر اسمه أو رتبته العسكرية، إن "قيادات الحشد الشعبي تفرض على المنظمات الإغاثية تسليمها ما تحمله القوافل من مواد غذائية أو دوائية أو غيرها، بحجة التأكد من صلاحيتها والإشراف على توزيعها".
وأكد المصدر المسؤول أن ما يصل فعلا إلى
النازحين "لا يصل في أحسن أحواله إلى 20 في المئة من المواد الإغاثية المخصصة للنازحين".
وتمارس قيادات الحشد الشعبي، بحسب قول المصدر المسؤول في قيادة شرطة محافظة ديالى لـ"عربي21"، "سلطات واسعة تتجاوز سلطات المحافظ وقائد الشرطة؛ حيث يقومون بمحاسبة الضباط واعتقالهم ساعة يشاؤون".
وقد نجح عدد من "ضباط الشرطة السُنّة المنسوبين إلى قيادة شرطة ديالى بالمغادرة سرا إلى إقليم كردستان، أو إلى تركيا؛ تجنبا للتصفية أو الاعتقال بتهم ملفقة"، بحسب ما قاله المصدر ذاته.
مصادرة الرواتب
من جانب آخر، تواصلت "عربي21" مع أحد النازحين الذي كشف عن امتلاك الحشد الشعبي "قوائم بأسماء الموظفين النازحين السُنّة الممنوعين من العودة إلى مناطقهم بتوجيهات من قيادات عليا في الحشد، حسبما قاله أحد مسؤولي الحشد الذي زار المخيم قبل ثلاثة أيام".
وأضاف النازح أن الحشد الشعبي يقوم "باستلام الرواتب الشهرية للموظفين النازحين السُنّة منذ سبعة أشهر، لكنهم لا يستطيعون تقديم شكوى إلى أي جهة مسؤولة؛ لأنها ستؤدي بهم حتما إما إلى السجن أو إلى القبر"، بحسب تعبيره.
ويتحدث النازح عن حالة "اختطاف حصلت لعدد من الموظفين النازحين الذين توجهوا إلى مبنى المحافظة للتظلم من عدم استلام رواتبهم، ولا يزال مصيرهم مجهولا على الرغم من أنهم لم يغادروا المخيم إلا بعد أخذ الإذن من المسؤولين الأمنيين عن المخيم".
وينقل نازح آخر لـ"عربي21" عن "استيلاء الحشد الشعبي على رواتب المعلمين النازحين بعد توقيف إحدى سيارات وزارة التربية التي ترافق المسؤول عن صرف الرواتب، وقد قام الحشد الشعبي بإطلاق سراح الموظف والسائق، فيما صادرت السيارة مع مبلغ 25 مليون دينار عراقي".
كما أكد موظف في دائرة مياه ناحية السعدية، وهو نازح أيضا، عدم استلامه أي راتب منذ سبعة أشهر، كما أكد على استلام كميات قليلة جدا من المساعدات.
ووفق ما قاله الموظف النازح لـ"عربي21"، فإنه "لا أحد يمتلك سلطة أعلى من سلطات الحشد الشعبي في المحافظة، لكننا لا نستطيع الشكوى إلى أي جهة كانت خوفا من إحراق مخيمنا"، كما قال.
ويضيف الموظف ذاته أن الحشد الشعبي سبق أن أحرق عددا "من المخيمات بشكل كلي، أو جزئي؛ بحجة إيواء الإرهابيين والتستر عليهم، وهي حجة باطلة لا يمكن أن تغطي حقيقة السلوك الطائفي للحشد في التعامل معنا؛ لأننا من العرب السُنّة"، بحسب قوله.
ونقل أبو علي العزاوي، وهو أحد النازحين من قضاء المقدادية، صورة عن معاناة النازحين السُنّة في هذا المخيم، "حيث يعيشون هاجس الخوف والقلق من الاعتقال أو التصفية في أي لحظة"، مؤكدا على ازدياد تلك الهواجس في حال "تعرض الحشد الشعبي لعملية تفجير، أو اشتباك، يفقدون خلاله بعض عناصرهم، بل حتى إنهم يمارسون أعمالا انتقامية ضدنا إذا فقدوا مقاتلا منهم في حادث سيارة عرضي"، وفق قوله لـ"عربي21".
خلافات في قيادات الحشد
من جانب آخر، حملت قيادات أمنية وفصائل تابعة لمليشيات الحشد الشعبي في
سامراء؛ لواء أبي الفضل العباس مسؤولية الانهيار الأخير في جبهة غرب سامراء وجنوبها، بعد الهجوم الواسع الذي شنه تنظيم الدولة مطلع الشهر الجاري.
وفي حديث خاص بـ"عربي21"، قال مصدر عسكري عراقي في سامراء، طلب عدم الكشف عن اسمه، أن معظم القوى في سامراء، من قيادات الشرطة والجيش وحتى قيادات في الحشد الشعبي، "تتفق على أن لواء أبي الفضل العباس يتحمل مسؤولية الانهيارات التي حصلت في هجمات تنظيم الدولة الأخيرة على غرب سامراء وجنوبها".
وأضاف لـ"عربي21" قائلا: "بعض فصائل الحشد الشعبي تحاول التمسك بجبهة بمفردها، حتى وإن كانت غير قادرة على تأمينها؛ وذلك من أجل الحصول على الدعم الكامل المخصص لهذه الجبهة من مال وسلاح وآليات".
وذكر المصدر أن خلافات واسعة تم تجاوزها بتدخل من الحكومة العراقية، عندما رفض لواء أبي الفضل العباس "مشاركة فصائل أخرى في الدفاع عن سامراء من جهتها الغربية".
وأدى ذلك، بحسب المصدر نفسه، إلى "انهيار واضح في صفوفه، وفقدانه المزيد من المواقع، إضافة إلى القيادات والكوادر، خلال تصديه لهجمات تنظيم الدولة على الجبهة الغربية قبل اقل من أسبوعين".
من جهته، كشف مصدر أمني رفيع لـ"عربي21"، عن "شبه إجماع على تحميل لواء أبي الفضل العباس كامل المسؤولية عن الإرباك الذي حدث في صفوف القطعات العسكرية وفصائل الحشد الأخرى في مناطق مجاورة لمواضع تمركزه غرب المدينة".
وطالب المصدر الأمني لواء أبي الفضل العباس بـ"تسليم مواقعه، أو إشراك فصائل أخرى؛ لمزيد من تقوية الجبهة الغربية، وعدم تكرار ما حصل ثانية".
وفي اتصال مع "عربي21"، نفى القائد الميداني في لواء أبي الفضل العباس، سمير الخزاعي، الاتهامات الموجهة إلى اللواء لخسارة مواقع غرب المدينة، وتساءل عن الجهة التي تتحمل مسؤولية "خسارة مواقع مهمة على الجبهة الجنوبية لمدينة سامراء".
واعتبر الخزاعي الاتهامات الموجهة للواء أبي الفضل العباس، بأنها "محاولات مستمرة تقوم بها بعض الفصائل؛ لإقصاء اللواء، والاستئثار بالدعم الكبير الذي تتلقاه جبهات سامراء"، على حد قوله، متهما تلك الفصائل، دون ذكر أسمائها، بـ"السعي لضمان عدم وجود جبهة قوية ومستقرة بعيدة عن الاستنزاف لحسابات مالية وسياسية".
واعترف الخزاعي بـ"الانسحاب من بعض المواقع"، لكنه قلل من أهميتها وأنحى باللائمة على "الجهات الحكومية التي تراخت في تقديم الدعم والمؤازرة لنا"، كما قال، واصفا فصيله، إنه من "أكثر الفصائل خبرة في القتال، وله مواقف مشهودة في الدفاع عن المقدسات في سوريا"، حسب قوله.
لكنه أكد على عدم نية لواء أبي الفضل العباس الانسحاب من مواقعه الحالية "مهما حدث"، وقال إن فصيله "يرحب بكل من يقاتل دفاعا عن المقدسات، لكننا نرفض أن ننفذ أوامر حزبية من قيادات لم تعرف جبهات القتال من قبل"، بحسب تعبيره.
ورحب الخزاعي بفتح تحقيق مع اللواء فيما جرى، لكنه اشترط أن "يشمل قيادات عسكرية وأمنية رفضت إرسال الإمدادات"، مؤكدا عدم ثقتهم بقيادات الجيش، وأنهم يرفضون العمل تحت قيادة عمليات سامراء طالما يمتلكون قيادات تمثلهم في هيئة الحشد الشعبي، كما قال.
وقال إن اللواء، في الوقت الذي يخسر جنوده وقياداته في المعارك، يحاول بعض الضباط "إثارة المشكلات؛ لأسباب شخصية، أو لتصفية حسابات سياسية"، على حد قول القائد الميداني في لواء أبي الفضل العباس.