انطلقت، الخميس، واحدة من أكثر المحاكمات العسكرية إثارة للجدل بالجزائر منذ استقلالها عام 1962، ويتعلق الأمر بمحاكمة ضابط سام بالجيش
الجزائري برتبة "جنرال"، بتهم ثقيلة تتعلق بمخالفة أوامر عسكرية وإتلاف وثائق عسكرية وتشكيل "جماعة أشرار"، والتصريح الكاذب بكتلة السلاح التي بحوزته.
أنظار الجزائريين صوبت كلها باتجاه محكمة "مرسى الكبير" بوهران (300 كلم غرب الجزائر)، حيث بدأت فصول
محاكمة الجنرال عبد القادر آيت وعرابي، المدعو "
الجنرال حسان"، مسؤول دائرة مكافحة
الإرهاب بالمخابرات الجزائرية إلى غاية شهر كانون الأول / ديسمبر 2013.
ولم يسبق أن حوكم بالجزائر ضابط بالجيش يحمل رتبة جنرال إلا في ظل حكم الرئيس
بوتفليقة.
ولم يظهر الجنرال حسان في الواجهة طيلة مساره العسكري، إذ لا صورة متداولة له.
ومعروف عن الجنرال حسان، أنه قاد عمليات مكافحة الإرهاب بالجزائر منذ مطلع سنوات التسعينيات، عندما تهاوت البلاد في أتون فوضى أمنية عارمة، وأزمة أمنية راح ضحيتها أزيد من 200 ألف شخص.
ويعتبر عبد القادر آيت وعرابي من الشخصيات المخابراتية الجزائرية الأكثر نفوذا، واكتسب رمزية لإسهامه بمكافحة الإرهاب، قبل اعتقاله ثم سجنه شهر آب/ أغسطس الماضي بمنزله الكائن بالحي المرموق" شوفالي" أعالي العاصمة، بتهمة مخالفة أوامر عسكرية وإتلاف وثائق عسكرية.
قبل ذلك بعامين تقريبا، قاد الجنرال حسان العملية الأمنية التي قام بها الجيش ضد مختطفي الرهائن الأجانب بالحقل الغازي بعين أمناس، جنوب الجزائر، وسقط خلالها 39 رعية أجنبي، يشتغلون بالحقل الغازي بينهم فرنسيون وكنديون وبريطانيون ويابانيون، وقام بالهجوم الإرهابي حينها أمير كتيبة المرابطون، مختار بلمختار، الذي وقع مؤخرا الهجوم على فندق "غيديسون" بباماكو عاصمة مالي.
ويحاكم الجنرال حسان، قاض مدني أوفدته وزارة الداخلية بالجزائر إلى محافظة وهران، ومعه جنرالين اثنين يقودون المحاكمة العسكرية.
ومنع الصحفيون والجمهور من دخول المحكمة، وتم إخراج شقيق الجنرال حسان ونجله من قاعة المحاكمة.
واقتربت صحيفة "
عربي21" من محامي الجنرال حسان، الأستاذ مقران أيت العربي للإدلاء بتصريح، لكنه إعتذر وقال "القضاء العسكري يمنع الإدلاء بأي تصريحات". بينما أوضح زميله خالد بورايوا في تصريح لصحيفة "
عربي21"، الخميس "لا أستطيع القول أكثر من أن المحاكمة تسير بشكل عادي، وأن الجنرال حسان كان خلال إجابته على أسئلة القاضي بمستوى رتبته العسكرية".
وكان المحامي مقران آيت العربي، طالب قبل أسبوعين بإحضار القائد السابق للاستخبارات الجزائرية، محمد لمين مدين، المدعو "الجنرال توفيق" لتقديم شهادته بموضوع التهم، لكن، وحسبما لاحظت صحيفة "
عربي21"، فإن الجنرال توفيق كان غائبا.
وكان الجنرال حسان يعمل تحت إمرة الجنرال توفيق لما تم القبض عليه، وهو أحد حلفائه، كما أن الجنرال توفيق، المعروف بأقوى رجل بالمخابرات الجزائرية التي ترأسها طيلة ربع قرن، أحاله الرئيس بوتفليقة على التقاعد في 7 أيلول/ سبتمبر الماضي.
ويتابع المراقبون فصول المحاكمة عن بعد، لكن قراءات عديدة لم تتوقف عند القول إن الموضوع يتعلق فقط بمحاكمة ضابط برتبة جنرال، ولكن الأمر يتعلق بتداعيات الصراع بين الرئاسة وجهاز المخابرات.
واستطاع الرئيس بوتفليقة تحييد أقوى الجنرالات في إطار ما سمي بـ"تمدين الحكم"، مثلما أفاد الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، الحزب الحاكم بالبلاد، والذي تهجم مرارا على شخص الجنرال توفيق، متهما إياه بـ"تكسير الأحزاب" وفشله في العديد من الملفات.
بيد أن قطاعا واسعا من السياسيين دافعوا عن الجنرال توفيق والجنرال حسان، إذ اعتبرت لويزة حنون، الأمينة العامة لحزب العمال بالجزائر، أن إحالة الجنرال توفيق على التقاعد وسجن الجنرال حسان "تمهيد لتفكك الدولة وزعزعة استقرارها".