كتب أيمن الصفدي: يقول وزير الخارجية السوري وليد المعلّم إنّ فرص تحقيق القوى المعارضة للأسد هدفها إخراجه من السلطة معدومةٌ مثل "حلم إبليس في الجنة". ويصرّ المعلّم أنّ النظام السوري لن يعطي أعداء الأسد بالسياسة ما عجزوا عن أخذه في ساحات القتال.
لا شكّ أنّ المعلم سعى عبر هذه التصريحات، التي أطلقها وهو يجلس إلى جوار وزير الخارجية الروسي في موسكو، إلى إيهام متلقّي حديثه أنّ النظام قويٌّ، واثقٌ، ممسكٌ بزمام الأمور.
لكنّ الحقائق على الأرض تكذّب تأكيدات المعلّم وإيحاءاته.
فالأسد خرج فعليّا من السلطة. لم يعد رئيسا لسوريا. صار في أحسن الأحوال أمير حرب يتقاسم السطوة في بلاده مع قوى معارضة وأمراء حرب آخرين. مساحاتٌ شاسعةٌ من سورية تدمّرت وصارت خارج حكمه وتحت ظلاميّة الإرهاب الـ"داعشي" والـ"نصرواتي". وأخرى تدمّرت وانتهت مناطق نفوذ وصراعات بين قوى معارضة وطنية وأخرى مناطقية أو عرقية أو طائفيّة.
انتهى حكم الأسد حين عجز عن التقاط لحظة التغيير وفرصته. بدأ سقوطه حين غدر بداية عهده بقوى "ربيع دمشق" الديمقراطيّة المستنيرة، التي صدّقت زعمه رغبته مشاركتها في نقل سورية إلى مرحلة جديدة من الإصلاح والمصالحة الوطنية. وانتهى حكمه رئيسا لسورية حين قتل أطفال درعا، وواجه دعوات التغيير السلميّة في العام 2011 بالقمع والقتل.
ليس المطروح الآن هو انتهاء دور الأسد رئيسا لسورية. ذاك أمرٌ تم منذ سنوات. يدور النقاش والصراع اليوم حول تفكيك إمارة حربه، التي قسّمت بلاده، وشرّدت نصف شعبه، وجعلت الأرض السورية يبابا يستجذب دعاة الموت من الإرهابيين ويولّدهم، وميدان معارك نفوذ وأطماع دولية وإقليميّة.
استمرار تمسّك النظام السوري وأزلامه بأكذوبة نصرهم بالحفاظ على حكم الأسد لا يمثّل إلّا إيغالا في التعامي عن هشاشة وجودهم، ولا يعكس إلاّ نزعة سلطوية استبدادية قدّمت، ومستمرة في تقديم، ملايين الضحايا السوريين قربانا من أجل إبقاء بنيان وهمهم أنّهم ما يزالون يحكمون سورية قائما.
صحيحٌ أنّ كلّ المؤشّرات أنّ الأسد لن يسقط في الميدان في أيّ وقت قريب. والفضل في هذا يعود للدعم الروسي والإيراني. لكنّ الحلّ السياسي الذي لا بديل عنه لتجاوز الأزمة سيُنهي أيضا ما بقي من سطوة الأسد، وإن عبر تفاهمات تخرجه من "قصر الشعب" في دمشق إلى مكان آمن في طهران أو غيرها. فتوازنات القوّة الإقليميّة والدوليّة ستفرض بالنهاية تسوية عملية سيكون شرط نجاحها إنهاء حكم الأسد، حتّى لو لم يحقّق ذلك العدالة التي يستحقّها الشعب السوري.
الزخم نحو هذا الحلّ مستمرٌّ رغم صراع الأطماع والأجندات الذي يعيقه.
فالأزمة السورية باتت تهديدا عالميّا. وبعد سبات طويل، أدركت أوروبا أنّها في مرمى تداعياتها الإرهابيّة والأمنيّة. قد تستغرق الاستفاقة اللازمة لتكريس الجهد والتفاني اللازمين للوصول إلى الحلّ وقتا أطول لأنّ سيد البيت الأبيض تخلّى عن المسؤولية المعنوية والأخلاقية إزاء صراعات أسهمت سياسات بلاده في إيجادها. لكنّ كلفة بقاء الأسد، وعدم وأد الوباء الإرهابي الذي لعب قهره دورا كبيرا في إنتاجه، وصلا حدّا من غير الممكن أن يتعايش معه العالم لفترة طويلة.
بقاء الأسد في الحكم، كما وجود أبي بكر البغدادي و"دولة" الجهل التي يرأس، ظاهرةٌ غير طبيعية لا تملك مقوّمات الاستمرار، حتّى لو طال وجودها جرّاء التقاعس وتضارب المصالح وتكالب الأطماع على سورية.
ووفق المقاربة "الإبليسية" للمعلم، فإنّ حتميّة سقوط الأسد، أيضا كما البغدادي وما يمثّل من وجه بشع آخر للإرهاب، لا تقّل قوة عن حتميّة انتهاء "إبليس" إلى الجحيم.
(عن صحيفة الغد الأردنية ـ 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015)