استلم المبعوث الأممي الجديد، الألماني مارتن كوبلر، منصبه خلفا لبرننادينو ليون الأسباني، الذي سلم عهدته دون أن يحقق ما كان يصبو إليه من حل الأزمة الليبية والتوصل إلى اتفاق بين الفرقاء يوقف الاقتتال ويوحد البلاد، التي هي في انقسام يحتاج إلى "شرعنة" فقط ليكون انقساما كامل الأركان.
كوبلر كان صريحا في موقفه وواضحا في توجهه بالقول إنه سيبدأ من حيث انتهى ليون، بمعنى أنه لن يقوم بإزالة الشمع الأحمر والتعديل على المسودة الأخيرة التي سلمها خلفه لوفدي التفاوض، ولن يغير مجلس رئاسة الحكومة، بمعنى أنه لن يستبعد أي من الأسماء التي اقترحها ليون، دون أن يمنع الإضافة على المجلس عضو أو عضوين آخرين.
الموقف المتصلب لكوبلر يعني تصلب مقابل من قبل أجنحة سياسية وعسكرية فاعلة في الشرق والغرب، فالأطراف التي رفضت مسودة ليون ومقترحه لعضوية الحكومة لم تبد ارتياحا لحراك كوبلر وأسفاره بين طرابلس وطبرق والبيضاء، وأيضا العواصم الأوروبية وبعض الأطراف الإقليمية الضالعة في الأزمة الليبية. وتعتبر بعض هذه المجاميع أن إصرار كوبلر على المضي على خطى سلفه ليون يعني أن الأطراف الدولية لم ترد لليبيا خيرا، وأن غضها الطرف على ما اعتبرته تآمرا من ليون وتنسيقه المباشر مع بعض الأطراف المتورطة في الأزمة، يعني أن الأطراف الدولية الراعية للحوار تريد نمطا للحكم وللإدارة يراه هؤلاء خطرا على البلاد، ولذا ربما ستقود هذه المجاميع حملة ضد كوبلر وربما تنظيم حراك بهدف إفشال مهمته.
وهذه المجاميع موجودة في كلا المعسكرين المتنازعين، والملاحظ أنهم لم يقدموا بديلا عن التوافق في حال فشلت مهمة كوبلر.
في مقابل المجاميع المتشددة تجاه مسار
الحوار والخطة الدولية للتوافق هناك مجاميع أخرى، قد تكون الأغلبية، تريد للحوار وللمسار السياسي تحت الإشراف الدولي أن ينجح، ويشير إلى ذلك التفاعلات المهمة تحت قبتي البرلمان والمؤتمر الوطني التي منها إطلاق "مبادرة فزان" من بعض أعضاء الجنوب في البرلمان، واستجابة عدد كبير من البرلمانيين لها وتوقيع ما يزيد عن تسعين نائبا على المبادرة. والمبادرة في جوهرها تدعم الخطة الدولية ولكن ليس بإطلاق، فهي تؤيد الحكومة المقترحة مع بعض الإضافات عليها، وتؤكد عدم المساس بالمؤسسة العسكرية، وهو ما يحمل إشارة إلى أنهم يرفضون استبعاد خليفة
حفتر من المشهد السياسي والعسكري.
في طرابلس هناك تفاعلات شبيهة داخل
المؤتمر الوطني العام تدور حول الخلاف بين الأعضاء تجاه الحوار، ويأتي في مقدمة تلك التفاعلات تقدم ما يزيد عن خمسين عضوا في المؤتمر بعريضة تطالب بسحب الصلاحيات الممنوحة لرئيس المؤتمر، نوري بوسهمين، وهو التفويض الذي مُنح له بعد عودة المؤتمر الوطني للانعقاد في أعقاب سيطرة قوة فجر
ليبيا على العاصمة في أغسطس 2014.
يضاف على ما سبق اتجاه التقارب بين الجسمين المتنازعين وذلك عقب الإعلان عن لقاءات ضمت أعضاء من البرلمان والمؤتمر الوطني، جميعهم من المنطقة الشرقية، والحديث عن تقارب في وجهات النظر حول بعض القضايا، وهو حدث لم يكن متوقعا في ظل الاستقطاب الحاد ولغة التخوين التي هيمنت على خطاب الطرفين منذ انطلاق عمليتي الكرامة وفجر ليبيا.
ما يمكن فهمه من التفاعلات السابق الإشارة إليها هو رغبة، ولو خجولة، من شريحة كبيرة من النواب هنا وهناك لإنجاح الحوار والوصول إلى التوافق، أيضا يعكس الحراك المشاهد حرصا على تلافي القصور في العملية السياسية التي يشرف عليها المجتمع الدولي أو الأطراف الدولية، ومسعى للبحث عن آلية أو قنوات للحوار المباشر بين الطرفين المتنازعين، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح وتفيد كثيرا في حال نجحت مساعي المبعوث الأممي، باعتبار أن التوافق لن يقع بمجرد التوقيع على المسودة أو اعتماد الحكومة المقترحة، بل يتطلب تفاهمات حول ملفات كبيرة ومعقدة سيساعد الحوار المباشر الليبي الليبي على معالجتها، وهو أيضا مفيد، بل ضروري، في حال فشلت المقاربة الدولية، وذلك لمنع تردي الأوضاع والدخول في فوضى قد تعم جميع المناطق بما فيها العاصمة طرابلس.