نشرت صحيفة دي فيلت الألمانية؛ تقريرا حول الأوضاع المزرية التي يعيشها اللاجئون السوريون في مخيم الأزرق، شرقي الأردن، وأشارت إلى أن الزيارات الرسمية والخطابات المنمقة التي يلقيها الزوار الأجانب أو والمسؤولون عن هذا المخيم لا تقدم أي إجابات حول الأسباب التي تدفع
اللاجئين للهروب نحو المجهول بدل البقاء فيه.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن ليلى، السيدة السورية التي غادرت وطنها قبل 18 شهرا مع أبنائها، تغرق عيناها بالدموع كلما تذكرت الإهانات والمعاناة التي مرت بها العائلة بسبب الحرب. فزوجها اختطف على يد عصابات تابعة لنظام بشار الأسد، فهربت هي مع بقية أفراد العائلة من حمص نحو الحسكة في شرق البلاد.
ورغم أنها صبرت لفترة على سيطرة تنظيم الدولة على المنطقة، فإنها في النهاية قررت مواصلة رحلتها وعبور الحدود الأردنية نحو مخيم الأزرق، بعد أن تصاعد قصف طائرات النظام للأحياء السكنية. وهي اليوم تعيش في منزل متواضع في أحد أفقر أحياء العاصمة الأردنية عمان، بعد أن دعتها امرأة تدعى هدى لمغادرة جحيم مخيم الأزرق.
وقالت الصحيفة إن سياسيين كثيرين من الدول الغربية يزورون مخيم الأزرق في كل يوم، ويقومون بجولات تفقدية بصحبة المسؤول الأمني في المخيم وممثل المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين، حيث يبدون انطباعات جيدة أمام الصحفيين المرافقين ثم يرحلون، بعد أن يتظاهروا بالاقتناع بأن كل شيء يسير على ما يرام في المخيم.
وأضافت أن زيارات المسؤولين لهذا المخيم، الذي يبعد عن السعودية 70 كيلومترا فقط، وعن العراق 270 كيلومتر، يمكن وصفها بأنها "سياحة
المخيمات"، لأن برنامج الزيارات هو نفسه كل يوم، حيث يتكون من محاضرة حول مزايا المخيم، وحسن التنظيم، والمدارس المفتوحة للأطفال، والسوق التي يشتري منها اللاجئون كل ما يحتاجونه، والمستشفيات المجهزة بكل ما يلزم، ومنازل الصفيح المجهزة بشكل يوفر الراحة للاجئين.
وقالت الصحيفة إن الجميع يرحلون بعد ذلك، دون التساؤل عن سبب سعي الكثير من اللاجئين لمغادرة المخيم، وعن أسباب بقاء 27 ألف لاجئ فقط، في مخيم معد لاستقبال 130 ألفا، في حين أن الأردن يستقبل لوحده حوالي 1.5 مليون لاجئ سوري.
وذكرت أن المسؤولين عن المخيم لا يقدمون أي إجابات مقنعة، ويكتفون بالتأكيد على أنه سيمتلئ عما قريب بالوافدين الجدد من
سوريا، ويرفضون الخوض في الثمانية عشر شهرا الماضية، والمشكلات التي دفعت أغلب اللاجئين للهرب.
وأضافت أن مخيم الأزرق يبدو من بعيد كمدينة أشباح، وسط صحراء من الرمال الحمراء، ومنازل الصفيح المصنوعة من الفولاذ والمطلية باللون الأبيض، والمرصفة بكل دقة في شكل صفوف، فيما تقبع أغلبها خالية من أي ساكن.
وأشارت الصحيفة إلى أن ليلى جاءت لهذا المخيم مع أطفالها بعد الهرب من سوريا، ولكنها تقول إنها "هربت منه بسبب الصحراء والحرارة الشديدة خلال النهار والبرد القارس أثناء الليل، وغياب الكهرباء والمياه الصالحة للشرب، والمعاملة السيئة التي يتعرض لها السوريون في هذا المخيم، من قبل رجال الأمن الذين كانوا دائما يوجهون لهم الإهانات ويهددونهم بإعادتهم عبر الحدود نحو سوريا".
وأضافت ليلى أنها "بعد سنة واحدة قررت أنها لم تعد تستطيع احتمال الأوضاع المزرية في المخيم، وبعد أن تعرف ابنها على ابن هدى عبر الفيسبوك، أقنعتها هذه الأخيرة بالقدوم للسكن قربها في العاصمة عمان، على أمل أن تنعم بحياة أفضل".
واعتبرت الصحيفة أن قصة ليلى وكثيرين آخرين تفسر سبب بقاء مخيم الأزرق شبه خال، رغم أنه كان يفترض به أن يكون مكانا مثاليا للاجئين، بعد أن امتلأ مخيم الزعتري الذي تبلغ طاقة استيعابه 80 ألف لاجئ، وأصبح يشهد حالة فوضى واكتظاظا وشحا في مساعدات المنظمات الدولية. ولكن العكس هو ما حصل، حيث إن الزعتري تحول إلى مدينة تضج حيوية، يستطيع سكانها التنقل والعمل، ويوجد بها حوالي ثلاثة آلاف محل صغير، من بينها محلات حلاقة وبقالة، فيما بقي الأزرق معزولا وهامدا.
وأشارت الصحيفة إلى أن أعدادا كبيرة من اللاجئين يصطفون كل صباح قرب بوابة المخيم، لطلب الإذن بالخروج، حيث يضطر بعضهم للعودة نحو جحيم الحرب الأهلية، فيما يتقدم آخرون بطلبات لمغادرة المخيم بشكل مؤقت، رغم أن الموافقة على هذا الطلب في غاية الصعوبة.
وذكرت أن الحكومة الأردنية اتخذت إجراءات لمواجهة تدفق اللاجئين إلى خارج مخيمي الزعتري والأزرق، عبر فرض نظام الكفالة، حيث إن كل لاجئ يحتاج لشخص أردني يضمنه حتى يتمكن من مغادرة المخيم. ولذلك يضطر كثيرون للعودة لسوريا وعبور الفوضى التي تجتاح البلاد، نحو الحدود التركية ومنها إلى أوروبا، في رحلة محفوفة بالمخاطر لا تنجح فيها إلا قلة من المحظوظين.