نشرت صحيفة دي فيلت الألمانية؛ تقريرا حول الأزمة المتصاعدة بين
إيران والسعودية، وقالت إن القطبين الشيعي والسني يخوضان حربا متعددة الواجهات في عدة دول في المنطقة، معتبرة أن المملكة نفذت عمليات الإعدام الأخيرة بدوافع أخرى داخلية غطت عليها الأزمة مع إيران.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن عملية الإعدام الجماعية التي نفذتها السلطات
السعودية في الثاني من كانون الثاني/ يناير الجاري، كانت جريئة وضخمة، لدرجة أثارت موجة ردود أفعال قوية في أنحاء العالم، بعد أن شملت 43 سنيا متهمين بالانتماء لتنظيم القاعدة، وأربعة من المعارضين
الشيعة من أبرزهم الشيخ نمر النمر، أحد قادة احتجاجات الأقلية الشيعية على النظام الحاكم.
واعتبرت الصحيفة أن التبعات الخارجية لهذا القرار حجبت الدوافع الداخلية؛ التي جعلت المملكة تقدم على هذه الخطوة، حيث إن ارتفاع عدد الإعدامات في السعودية يظهر شعور العائلة المالكة بالخطر الذي يحيط بها، والملك سلمان الذي تسلم الحكم قبل سنة يريد إظهار الحزم أمام التهديدات التي يواجهها من الداخل قبل الخارج.
فالأوضاع في المملكة أصبحت تنذر بالخطر، بعد اصطفاف الناس خلال الأسبوع الماضي أمام محطات الوقود، في مشهد لم يتصوروا أنه سيحدث أبدا، وقد نفد الوقود من بعض المحطات ما أثار حالة من القلق، بعد قرار الحكومة برفع أسعار المحروقات بنسبة تبلغ 40 في المئة، بسبب تناقص مواردها وتزايد العجز التجاري نتيجة انهيار أسعار النفط.
وقالت الصحيفة إن قرار السعودية بإعدام 43 من
السنة المتهمين بالتورط في الإرهاب، يأتي في ظل تواصل الاتهامات الموجهة للمملكة بدعم التطرف والتساهل مع الحركات الإرهابية، وبأن الدولة نفسها تتبنى الفكر الذي تنبني عليه إيديولوجيا هذه الحركات، ولهذا فإن الملك سلمان أراد من خلال هذه الإعدامات إسكات المنتقدين والمشككين، وإثبات حزمه في مواجهة التطرف.
أما عن إعدام نمر باقر النمر، الذي كان قد هدد بانفصال مناطق الشيعة في شرق البلاد في حال لم تتحقق مطالبهم، فقد اعتبرت الصحيفة أنه يأتي كرسالة تحذير للشيعة في الداخل و"لحاميتهم المفترضة إيران"، في ظل تأجج الصراع بين الرياض وطهران في أكثر من جهة في الشرق الأوسط.
ففي سوريا، تدعم إيران نظام الأسد ضد شعبه، بينما تدعم المملكة مجموعات معارضة سنية يتهمها البعض بالتشدد. وفي اليمن تواصل طائرات التحالف الذي تقوده السعودية قصف مواقع المتمردين الحوثيين، الذين يتلقون الدعم العسكري من إيران. وفي العراق يقف كلا المعسكرين ضد تنظيم الدولة، ولكنهما في الآن ذاته يتصارعان من أجل السلطة والنفوذ.
أما في البحرين فقد دفعت المخاوف من احتجاجات تقف وراءها إيران؛ بالعائلة الحاكمة إلى طلب العون من الجار السعودي، لإخماد هذه الاحتجاجات. كما أن الكويت بدورها تخشى من تزايد النفوذ الإيراني، بينما يتنافس الطرفان على النفوذ وكسب الولاءات في فلسطين ولبنان.
كما أشارت الصحيفة إلى حرب أخرى كانت تجري في الكواليس بين طهران والرياض، تتعلق بسير المحادثات النووية التي توجت في تموز/ يوليو الماضي باتفاق بين إيران والدول الكبرى، ما عمق مخاوف السعودية من تنامي النفوذ الشيعي إثر رفع العقوبات، لأن إيران ستزيد دعمها المادي لأذرعها في المنطقة، وقد تعمق من أزمة أسعار النفط عبر رفع إنتاجها.
واعتبرت الصحيفة أن أحكام الإعدام هي رسالة تحذير لشباب المملكة، خاصة وأن أكثر من 2500 سعودي يشاركون في الحرب في سوريا مع تنظيمات إسلامية متنوعة، وهو ما يمكن أن يشكل في المستقبل خطرا على النظام الحاكم.
كما أن هذا النظام أصبح يواجه صعوبات في تقديم حياة أفضل لهؤلاء الشباب، في بلد تفوق فيه نسبة من هم دون سن الثلاثين 60 في المئة، مع ارتفاع نسب البطالة وصعوبة خلق فرص عمل جديدة، بسبب السياسات الاقتصادية التي أدت في أوقات الرخاء لإهدار الأموال وتضخم الدعم الحكومي وانهيار القطاع الخاص.
واعتبرت الصحيفة في هذا السياق؛ أن مشكلة البطالة والصعوبات الاقتصادية تمثل تهديدا وجوديا للمملكة، لأنها تزيد من إمكانية تأثر الشباب السعودي بالتنظيمات المتطرفة، وخاصة تنظيما الدولة والقاعدة، وهي تواجه الآن وضعا حرجا لأن خفض الإنفاق الحكومي وسياسات التقشف قد تغذي هذه المشكلة.
وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى دلالات توقيت عملية إعدام النمر، التي قد تحدث ردة فعل عكسية في الداخل الإيراني، مع اقتراب انتخابات مجلس الخبراء التي ستجري في الشهر المقبل، حيث إنها ستعزز موقف المتشددين، الذين يتهمون الرئيس روحاني "بعدم فعل ما يكفي لحماية الشيعة في الخارج".