نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا لمراسلها بيتر بيومنت من بلدة
سعير في محافظة
الخليل، قال فيه إن سقوط كل شاب بالرصاص
الإسرائيلي في تلك القرية يمهد الطريق أمام مقتل آخر، حتى وصل عددهم خلال أشهر قليلة إلى 13 قتيلا.
ويشير التقرير إلى أنه قبل أقل من أسبوعين، قتل أربعة شباب في يوم واحد، فيما قال عنه الإسرائيليون إن هجومين منفصلين قام بهما الشباب الذين قتلوا، أحدهما على أطراف الخليل، والثاني على مفرق غوش عتصيون، حيث قتل ثلاثة شباب، وهم مهند وأحمد وعلاء كواسبة، والثلاثة أبناء عم. ومنذ ذلك الحين سقط ثلاثة آخرون.
ويقول الكاتب إنه "مما يلفت النظر، نصيب هذه القرية غير المتكافئ من الضحايا، حيث وصل العدد الكلي منذ بداية شهر تشرين الأول/ أكتوبر، إلى 150 في أنحاء
فلسطين، وكذلك علاقات القرابة بين من يقتلون. فالقتلى إما أخوة أو أبناء عم أو أصدقاء من مكان يدعوه السكان المحليون الآن (عاصمة
الشهداء). وحوالي نصف الوفيات كان في موقع واحد هو تقاطع بيت عينون، حيث يقود شارع التفافي إلى مستوطنة كريات أربع".
ويضيف بيومنت قائلا: "سقط القتلى الواحد تلو الآخر، عدد منهم خلال محاولات هجوم في حلقة من الغضب والانتقام نجمت عن مقتل الشاب عبدالله شلالدة العام الماضي، خلال عملية مداهمة واعتقال قام بها جنود إسرائيليون متخفون من مستشفى في الخليل، عندما أطلقت عليه النار بينما كان خارجا من حمام في عنبر المستشفى".
وتلفت الصحيفة إلى أن ابن عمه محمود شلالدة (17 عاما) توفي بعده، حيث أطلقت عليها النار خلال تشييع جثمان عبدالله، وقام الشباب الفلسطينيون بإلقاء الحجارة على الجيش الذي رد بالذخيرة الحية. وقتل شقيق محمود بعد ذلك بشهرين، في محاولة هجوم بسكين على حاجز إسرائيلي.
ويذكر التقرير أنه من الصعب لأول وهلة رؤية ما يميز سعير ذات الـ25 ألف نسمة عن غيرها من المجتمعات الكبيرة في الضفة الغربية، مشيرا إلى أن القرية تقع على بعد خمسة أميال من مدينة الخليل الساخنة جنوب الضفة الغربية، وتمتد القرية على الشارع الرئيسي رقم 60، وهو الشارع الرئيسي للمنطقة. ولطالما أغلق الجيش الإسرائيلي مدخل القرية، موقفين أي حركة للسير.
ويبين الكاتب أن بعض السكان يعملون في المحاجر القريبة، ويرون الشاحنات من تلك المحاجر تمر من القرية، والبعض الآخر يعمل في الزراعة والبناء، وبعض آلاف منهم عمال في إسرائيل يعملون بالتهريب.
وتستدرك الصحيفة بأنه رغم أن حركة حماس فازت في الانتخابات البلدية عام 2005 في سعير، إلا أن رئيس بلدية سعير من حركة فتح، وهو فصيل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، لافتة إلى أنه من العشرة الذين قتلوا قبل الأسبوع الماضي تبنت حركة حماس خمسة "شهداء" على بوسترات، فيما تبنت حركة فتح الخمسة الآخرين.
ويقول بيومنت في تقريره، الذي ترجمته "
عربي21"، إن "محمد، والد محمود وخليل، ظل يستقبل المعزين في بيته حتى الأسبوع الماضي. وشرح لي الأب، الذي يعمل نقاشا للحجارة، عن ظروف وفاة ولديه فقال: (بعد أن قتل عبدالله (ابن عمهما) لم يؤثر ذلك على العائلة فحسب، بل على الناس في سعير جميعهم. قتل عبد الله في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر، ولكني لم أر محمود في جنازة عبدالله. كان هناك أناس كثيرون فلم نر بعضنا)".
ويورد التقرير أنه بعد تفرق المشيعين توجه محمود إلى أحد المواقع، التي يشتبك فيها الشبان عادة مع القوات الإسرائيلية. ويقول محمد: "سمعت بما حصل بعد صلاة الظهر، ذهبت إلى منطقة الاشتباكات، ورأيت جسده، كانت النار قد أطلقت عليه من الخلف، ويبدو أنه كان منحنيا عندما أصيب ومات في اليوم التالي".
ويضيف للصحيفة: "تغير خليل تماما بعد وفاة أخيه، وظل صامتا لمدة 54 يوما، وعندما كان يتكلم كان يفعل، وكان كأنه في عالم آخر، لقد أصبح شخصا غامضا بالنسبة لنا".
وينوه التقرير إلى أن خليل قتل هذا الشهر في اليوم ذاته الذي قتل فيه ثلاثة من عائلة الكواسبة. ويقول الجيش الإسرائيلي إنه حمل سكينا، وذهب إلى حاجز بيت عينون لمهاجمة الجنود. ويقول محمد: "مات اثنان من أبنائي الخمسة، وهذا ليس طبيعيا، كلهم تأثروا بالبيئة المحيطة، ولكن ليس بيدي فعل شيء".
ويقول الكاتب إنه "على بعد نصف ميل، في مركز سعير، تجلس عائلة أخرى في خيمة عزاء لأبناء عائلة الكواسبة. وبحسب متحدث الجيش الإسرائيلي، فقد قام الثلاثة، الذين كانوا يلبسون الأسود، بمحاولة مهاجمة القوات الإسرائيلية على تقاطع غوش عتصيون، حيث أطلقت عليهم النار وقتلوا".
وبحسب الصحيفة، فقد رسم زياد، والد مهند، وهو أحد أبناء العم الثلاثة، صورة مشابهة لقصة عائلة الشلالدة، فقال إن قريبا آخر لهم قتل قبل أيام من مقتل ابنه وأبناء أخوته. وينكر زياد أن ابنه كان يخطط لهجوم.
ويقول زياد لـ"الغارديان": "كان يعمل عاملا بالتهريب في تل أبيب، وقد تزوج حديثا. ولو كان يريد مهاجمة أحد فقد كانت لديه فرص كثيرة في تل أبيب. ولو كنت أعلم أنه يريد أن يستشهد لأجلسته في البيت، وأغلقت الباب عليه، ولكن عليك أن تفهم أن سعير قريبة جدا، وكأنها عائلة كبيرة، وما يحصل هنا يؤثر على الجميع". ويتفق زياد بأن كل وفاة تزيد من احتمال حصول أخرى، ويقول: "الناس قلقون مما قد يفعله أبناؤهم".
ويشير بيومنت إلى أنه "في لقاء مع عضو المجلس التشريعي الفلسطيني سميرة الحلايقة، شرحت لي أسباب سلسلة الأحداث، وتقول إنها بدأت بمقتل عبدالله شلالدة في اقتحام لمستشفى. كما أوضحت العلاقة التي تربط العائلتين اللتين خسرتا أكبر عدد من أفرادهما، فقالت: (لم يستطع أحمد يونس كواسبة، الذي قتل قبل يومين من أبناء عمه الثلاثة، تحمل مقتل صديقه الحميم محمود شلالدة. فكلها تعود إلى مقتل عبدالله شلالدة في المستشفى".
ويذكر التقرير أن حلايقة استقبلت مكالمة هاتفية، وقالت إن ابن أحد الجيران قتل، وعرض مساعدها صورته على الهاتف النقال، حيث كان الشاب ملقى على الأرض، وكانت السكين بجانب يده.
ويختم الكاتب تقريره بالقول إنه "بعد ساعات تبين أن اثنين كانا قد قتلا، وهما محمد أحمد خليل كواسبة (23 عاما)، الذي رأيت صورته على الهاتف النقال، وعدنان حميد المشني، الذي تدعي القوات الإسرائيلية أنه أوصل كواسبة، الذي حاول الهجوم عليهم، وأنه قتل بعد أن هرب من الموقع".